السؤال:
دخلت المسجد ووجدت الإمام قد وضع فيه قطعا خشبية على شكل عامود مسطح له قاعدة، وقد ملأ المسجد بها حتى أصبحت كالنواصب، أو الأعمدة الصغيرة في المسجد، وعند سؤاله عن ذلك قال إنه من أجل السترة بين المصلي والسجود، هل فعله هذا صحيح؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
تعظيم السنة والحرص عليها من الأمور المحمودة في الدين، ويؤجر عليها المسلم الأجر العظيم، ولكن إذا كان هذا الحرص باسم السنة واتخذ أشكالا من التكلف والتنطع، وصورا من الإحداث في الدين، وسببا لوقوع الفرقة في صفوف المسلمين: صار حرصا مذموما ومنبوذا.
وما بدأنا نشهده في بعض المساجد من انتشار الشواخص والنواصب بدعوى تحقيق سنة السترة في الصلاة واحد من أشكال التكلف والتنطع؛ فسنة " السترة " تتحقق بالصلاة إلى جدار المسجد أو أعمدته، فإن لم يتيسر ذلك تحققت السترة بالصلاة إلى ظهر أي مصل، فإن لم يتيسر ذلك فليس من المشروع أن يُعمد إلى استصناع شواخص تُملؤ بها المساجد، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إحداث وسائل العبادة التي لم يكلَّف بها المسلمون، وإنما طُلب منهم أن يأتوا بها على حسب استطاعتهم.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: مَا هَذَا الْحَبْلُ؟ قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ - يعني استندت إليه في صلاتها - فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ) متفق عليه.
فإذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عقد حبل واحد بين ساريتين لغرض التنشط للعبادة؛ لما في ذلك من تحمل المشقة المتكلفة على النفس، فكيف يكون حال من ملأ المساجد بالشواخص التي لم تأمر بها الشريعة؛ وإنما أمرت باتخاذ السترة في الصلاة بما تيسر، فإن لم يتيسر فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ثم إن في استحداث هذه الشواخص العديدَ من المفاسد، كدفع الأموال لغرض استصناعها، والتضييق على مرور المصلين إلى الصفوف، وتشبيه المساجد بالمقابر المملوءة بشواخص القبور، بل وبعض هذه الشواخص التي أحدثت في المساجد شابهت أشكالا مختلفة ممقوتة، وأحدثت كثيرا من الفتن والنزاعات بين المصلين في مشروعيتها، وسبب كل ذلك الجهل والتشدد بما لا يليق في الدين، ومحاولة الإحداث في الدين بما لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة والتابعين.
فنصيحتنا لجميع المسلمين أن لا يتكلفوا في الدين ما ليس منه، وأن لا ينشغلوا بفروع الشريعة عن تحقيق أصولها المتمثلة بالأركان والثوابت في أمور العلم والعمل والقيم والأخلاق.
والله أعلم.