السؤال:
كنت وأنا في سن المدرسة أقوم بأخذ مال من أمي أو أبي، وأحيانا كنت أقوم بأخذ مبالغ من المال من بيت أخي الذي كنا نملك مفتاحه، وكنا ندخل بيته بوجود إذن مسبق للدخول إليه، وقمت في إحدى المرات بأخذ ليرتين ذهب من منزل أخي؛ الحمد لله أني تبت إلى الله، وأنا الآن أتحرى الحلال، وأبتعد كل البعد عن الحرام؛ ما واجبي، وما يترتب علي عن ما قدمت يداي، وما هي كفارتي، علماً بأني لا أتذكر المبلغ الذي كنت قد أخذته، سواء من أمي أو من أخي أو حتى من أبي -رحمه الله-، وعلماً بأني سمعت ذات مرة أن أخذ مال من ما ملكته مفاتحه لا يعتبر سرقة! أرجو إفادتي رجاءً.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الواجب على من وقع في إثم السرقة أن يسارع بالتوبة إلى الله عز وجل، وأن يبادر إلى رد الحقوق إلى أصحابها، فإن إرجاع الحق لصاحبه من شروط التوبة الصادقة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (منْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) متفق عليه.
فإذا وفقك الله - أخانا السائل - إلى التوبة فالحمد لله، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنك، ولكن لا بد من إرجاع الأموال إلى أصحابها، فعليك أن تسأل صائغا كم ثمن الليرة الذهبية ثم تجتهد في تقدير المبلغ الذي أخذته بغير وجه حق، وتبادر في دفعه، فإن لم يتوفر لديك المال فلا أقل من أن تستحل أصحابه، لا سيما وأن غرماءك أمك وأبوك وأخوك، وهؤلاء هم الرحماء لك، فتعدهم بأنك ستعيد الحق إليهم، وتطلب منهم قبول تقسيط حقهم إلى أجل معلوم، أو أن تطلب منهم المسامحة.
هذا إذا لم تخف أن يكون اعترافك لأصحاب المال سببا في وقوع الشقاق والنزاع والقطيعة، فإذا خشيت ذلك: جاز لك أن تعيد المال إلى أصحابه من غير أن تخبرهم، فتضعه في منزلهم وتكتب عليه أن هذا المال حق لكم، ونحو ذلك، من غير اضطرار إلى الكشف عن حقيقة ما جرى، أو على سبيل الهدية.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "ما يتعلق به حق آدمي: التوبة منه يشترط فيها أنه لا بد من إسقاط حق الآدمي, فإن كان مالا رده إن بقي، وإلا فبدله لمالكه، أو نائبه، أو لوارثه بعد موته، ما لم يبرئه منه، ولا يلزمه إعلامه به، فإن لم يكن وارث أو انقطع خبره دفعه إلى الإمام ليجعله في بيت المال، أو إلى الحاكم المأذون له التصرف في مال المصالح, فإن تعذر قال العبادي والغزالي : تصدق عنه بنية العزم" انتهى. "الزواجر" (2/368)
وأما الآية التي ذكرها السائل وفيها يقول الله عز وجل: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) النور/61، فلا تدل على جواز أخذ الأموال من بيوت المذكورين، وإنما تدل على أنه يجوز لمن دخل بيت واحد من هؤلاء أن يأكل منه الشيء اليسير بشرط أن يعلم رضا صاحبه، وأنه يطيب به نفسا، فإن لم يعلم منه ذلك لم يجز له تناول أي شيء من بيته.
يقول الإمام النووي رحمه الله: "إن تشكك في رضاه - يعني القريب والصديق - بالأكل من ثمره وزرعه وبيته: لم يحل الأكل منه بلا خلاف.
وإن غلب على ظنه رضاه به, وأنه لا يكره أكله منه: جاز أن يأكل القدر الذي يظن رضاه به، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال والأموال" انتهى."المجموع" (9/59)
والله أعلم.