الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الزكاة فريضة محكمة محددة بالنصوص الشرعية، ولا يجوز التصرف فيها بتحويل ما يجب تسليمه إلى الفقراء من نقود إلى مواد عينية وبضائع، ويعدّ ذلك تعدّياً على أحكام هذه الفريضة الشرعية، ويستثنى من ذلك تصرفات ولي الأمر بما يحقق مصلحة معتبرة للفقير وتمليكه الزكاة، وضمن الأحكام والضوابط الشرعية لهذه الفريضة.
فالأصل أن الجمعيات وكيلة عن المزكين في إيصال زكاتهم إلى المستحقين لها، ولا يجوز لها التصرف في هذه الزكاة بتحويلها من النقود إلى مواد عينية وبضائع، لأن هذا المال حقّ للفقير، ولا يجوز التصرف في حقّه دون إذن منه.
وأما إن كان جمع الزكاة من قبل الدولة، فإن لها أن تتصرف في الأموال بتحويلها من نوع إلى نوع بما يحقق مصلحة الفقير مع تمليكه الزكاة، والتأصيل الشرعي لذلك أن وظيفة جمع الزكاة وتوزيعها على المستحقين من الوظائف العامة المنوطة بالدولة؛ قال الإمام ابن الرفعة رحمه الله: "والزكاة وظيفة كلية أعدت للحاجات العامة حتى كأنها في السنة تحلّ محلّ النفقات الدَّارَّة يوماً يوماً من آحاد الناس على الذين يعولونهم؛ فكان الدفع إلى الإمام أفضل" [كفاية النبيه في شرح التنبيه 6/ 105]، ولذلك تبرأ ذمة المزكّي بتسليم الزكاة للدولة، ويحقّ لها أن تتصرف في أموال الزكاة بتمليكها للفقراء وبما يحقق مصلحتهم؛ قال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "قبض الإمام للزكاة هل هو بمحض الولاية، إذ لا يتوقف على توكيل المستحقين له أو بحالة بين الولاية المحضة والوكالة فله نظر عليهم دون نظر ولي اليتيم وفوق نظر الوكيل أي والظاهر الثاني" [تحفة المحتاج في شرح المنهاج 3/ 351]، وقال الإمام ابن حجر الهيتمي: "له -أي للإمام- أن يُلزمه -أي الفقير- بالشراء وعدم إخراجه عن ملكه لما في ذلك من المصلحة العامّة، فلم ينظر لما فيه من جبر الرشيد" [تحفة المحتاج 7/ 165]، وقال الإمام ابن قاسم العبادي رحمه الله: "لو أدى اجتهاد الإمام إلى أخذ القيم في الزكاة جاز" [حاشية العبادي على الغرر البهية 2/ 137].
وعليه؛ فلا يجوز للجمعيات الخيرية أن تقوم بتحويل الأموال الزكوية من نوع إلى آخر دون إذن من الفقير، ذلك أنّ هذا حقه الذي لا يجوز لأحد أنْ يتصرف فيه، وإنّما جعل الاستثناء في إجازة تحويل الزكاة لولي الأمر وتمليكها للفقراء ضمن الضوابط المذكورة سابقاً. والله تعالى أعلم.