الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
يجمع الله تبارك وتعالى الخلائق يوم القيامة؛ للعرض والحساب، وهم على أقسام: فمنهم المؤمن، ومنهم الكافر، ومنهم المنافق، فأما أهل الإيمان فيسترهم الله تبارك وتعالى أثناء حسابهم؛ فالله سبحانه ستير يحب الستر، إذا ستر عبده في الدنيا لم يفضحه في الآخرة.
وأما أهل الكفر والنفاق فيحاسبون على رؤوس الأشهاد، فقد روى ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: {هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]) رواه البخاري، فمن رحمة الله تعالى أنه يستر على عبده في الدنيا، فمن باب أولى أنه يستره أمام أبنائه وزوجته في الآخرة أيضًا.
هذا؛ وظاهر الحديث أن هذا الستر يعمُّ أهل الإيمان جميعًا، إذ لم يستثن إلا أهل النفاق والكفر، قال العلامة ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "قال المهلب: في الحديث تفضل الله على عباده بستره لذنوبهم يوم القيامة، وأنه يغفر ذنوب من شاء منهم، بخلاف قول من أنفذ الوعيد على أهل الإيمان؛ لأنه لم يستثن في هذا الحديث ممن يضع عليه كنفه وستره أحداً إلا الكفار والمنافقين" [فتح الباري 10 /488].
وعليه؛ فالظاهر أن الله تبارك وتعالى يستر عباده المؤمنين جميعًا -يوم القيامة- فلا يفضحهم سبحانه فهو الستير، وأما الذين ينادى بهم على رؤوس الخلائق والأشهاد فهم أهل الكفر والنفاق. والله تعالى أعلم