فتاوى بحثية

الموضوع : حكم استخدام خادم من الجن للانتفاع به في الخير
رقم الفتوى: 3913
التاريخ : 20-08-2024
التصنيف: السمعيات
نوع الفتوى: بحثية
المفتي : لجنة الإفتاء



السؤال:

هل يجوز استخدام خادم من الجن المسلم للانتفاع به في الخير؟


الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

عالم الجن موجود، ويجب الإيمان به، وهو مغيّب عنا، لا نعرف عنه إلا ما أخبرنا به الوحي، والأصل أنه لا تعامل بين الإنس والجن، فهو عالم غير عالمنا، وليس من العادة التعامل معهم، فتسخير الجن للإنس أمر على خلاف العادة وإن جاز عقلاً، فقد يُسخَّر بعض الجن لبعض بني آدم كما يسخَّر بعض الإنس للإنس، وكما في قصة سيدنا سليمان عليه السلام في قوله تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} [الأنبياء: 82]، قال الإمام الطبري رحمه الله: "وسخرنا أيضا لسليمان من الشياطين من يغوصون له في البحر، ويعملون عملاً دون ذلك من البنيان والتماثيل والمحاريب" [تفسير الطبري 18/ 482]، ومعلوم أنّ "ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي لا فارق بينهما إلا التحدي" [حاشية العطار على شرح المحلي 2/ 481].

فإن ظهر ما هو على خلاف العادة على يد الفاسق، أو المرائي، أو غير المسلم؛ فهو من باب الاستدراج، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ* وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 182-183]، وإن حصل على خلاف العادة  على يد رجل تقي متعبد صالح صادق النية لا يبغي بها رياء ولا سمعة، ولم يتجاوز بذاك التسخير أحكام الشرع الشريف؛ فلا يبعد أن تكون كرامة له من الله تعالى، وأعظم كرامة يمنّ الله تعالى بها على عباده الصالحين هي الاستقامة على شرعه ودينه، فعلى المسلم ألا يلتفت للكرامات وخرق العادات، ولا يجعلها همّاً له، ولكن عليه أن يلتفت إلى عادات نفسه فيقومها ويصلحها، ويجعلها على الصراط المستقيم، وهدي سيد ولد آدم أجمعين صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك عين الكرامة.

ومن يستطيع أن يجزم بأن الجن الذي يتعاطى معه من المسلمين أم من الكافرين؛ فهم مختفون عن أنظارنا ولا نعلم عن حقيقة أحوالهم، وهل هم صادقون في حديثهم أم كاذبون؟ وقد قال الله عز وجل: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6] "أي إثماً، وازدادت الجنُّ عليهم بذلك جراءةً" [تفسير الطبري 23/ 323].

وقال الله تعالى: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} [الأنعام: 128]، قال الإمام الرازي رحمه الله: "هذا الاستمتاع أن الإنس كانوا يطيعون الجن وينقادون لحكمهم فصار الجن كالرؤساء والإنس كالأتباع، والخادمين المطيعين المنقادين الذين لا يخالفون رئيسهم ومخدومهم في قليل ولا كثير، ولا شك أن هذا الرئيس قد انتفع بهذا الخادم، فهذا استمتاع الجن بالإنس، وأما استمتاع الإنس بالجن فهو أن الجن كانوا يدلونهم على أنواع الشهوات واللذات والطيبات ويسهلون تلك الأمور" [التفسير الكبير13/ 148].

فالعبرة في المسلم بالطاعة والالتزام بالمنهج الشرعي القويم، لا بخوارق العادات، لذلك كان دأب الأولياء والصالحين من عباد الله أنهم يستترون من الكرامات ولا يظهرونها إلا في حالات من أهمها: إظهار الكرامة للمنكِر من غير المسلمين بنية إرشاده للصواب، أو لاستخلاص مظلوم من ظالم، أو لإرغام من أنكر وجود الكرامات والخوارق، أو لإماتة بدعة وإحياء سنة، أو لتثبيت قلوب المريدين، أو غيرها من المصالح الشرعية المعتبرة بنية جمع القلوب على الله تعالى، وابتغاء وجهه الكريم لا لغرض من أغراض الدنيا الفانية مطلقاً.

وعليه؛ فعلى المسلم أن يشتغل في الأسباب الظاهرة التي تعبدنا الله بها، وأن يحذر من كل شبهة يتطرق إليها احتمال التحريم وإن أفتى المفتي بحله بناءً على الظاهر كما قال حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمة الله: "ورعُ الصَّالحين؛ وهو الحذر عما يتطرق إليه احتمال التحريم وإن أفتى المفتي بحله بناءً على الظاهر، وهو الذي قال فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ)" [الأربعين في أصول الدين/ ص149]. والله تعالى أعلم.



للاطلاع على منهج الفتوى في دار الإفتاء يرجى زيارة (هذه الصفحة)

حسب التصنيف السابق
رقم الفتوى السابق | التالي



التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا