الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
النذر التزام قربة غير واجبة بالشرع، فإذا انعقد لزم الوفاء به؛ لقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29]، وقوله عليه الصلاة والسلام: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ) رواه البخاري.
واختلف العلماء في جواز تقديم الوفاء بالنذر المعلق على شرط قبل تحقق ما علق عليه، على أقوال:
فذهب السادة الشافعية إلى القول بالتفريق بين النذر المالي والنذر البدني: فأجازوا تقديم الوفاء بالنذر المعلق المالي دون البدني، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله: "ويجوز تقديم المنذور المالي على المنذور له: كإن شفيت فعلي عتق رقبة، أو أن أتصدق بكذا كما في تعجيل الزكاة، بخلاف المنذور البدني كالصوم" [أسنى المطالب 4 /246].
والحج والعمرة من المنذور البدني، فلا يجوز تقديمهما على المنذور له عندهم؛ لأن قياس العبادات البدنية ألا يؤتى بها قبل وقت وجوبها، أما جواز النيابة في الحج والعمرة في المفروض منهما فهو من باب الرخصة للضرورة، قال إمام الحرمين الجويني رحمه الله: "الحج عبادةٌ بدنية، وإجراء النيابة في المفروض منه في حكم الضرورة المتبوعة بطريق الرخصة، والوصيةُ بالتطوع مستغنى عنها" [نهاية المطلب 11/ 187].
وذهب السادة الحنفية إلى القول: بأن النذر إذا كان معلقاً فما أداه قبل حدوث المشروط يكون نفلاً، وعليه الإعادة بعد تحقق الشرط.
قال الإمام الشرنبُلالي رحمه الله: "إن علق الناذر النذر بشرط كقوله: إن قدم زيد فلله عليّ أن أتصدق بكذا، لا يجزئه عنه ما فعله قبل وجود شرطه؛ لأن المعلق بالشرط عدم قبل وجوده، وإنما يجوز الأداء بعد وجود السبب الذي علق النذر به" [مراقي الفلاح/ ص264].
وذهب السادة الحنابلة إلى القول: بجواز تقديم الوفاء بالنذر المعلق على شرط قبل تحقق شرطه، قال الإمام البُهوتي الحنبلي رحمه الله: "ويجوز فعله -أي النذر- قبله -أي قبل وجود شرطه- كإخراج الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث" [كشاف القناع عن متن الإقناع 6/ 277].
وعليه؛ فالأحوط أن ينتظر الناذر إلى تحقق الشرط حتى تبرأ ذمته من النذر بالإجماع، وأما إن كان قد فعل المنذور به قبل تحقق الشرط وتعذر عليه إعادته فلا مانع من الحكم ببراءة ذمته بناء على مذهب الحنابلة. والله تعالى أعلم.