الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الهبة مستحبة بالإجماع، واستدل على ذلك بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]، قال الإمام المفسر البغوي الشافعي رحمه الله: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا يعني: فإن طابت نفوسهن بشيء من ذلك فوهبن منكم" [معالم التنزيل 1/ 566]، وأما السنة فقول سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ) رواه الشيخان، (ومعنى فرسن شاة: الظلف، وهو مثل القدم للإنسان)، قال شيخ الإسلام الإمام النووي رحمه الله: "وهذا النهي عن الاحتقار نهي للمعطية المهدية، ومعناه لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها لاستقلالها واحتقارها الموجود عندها، بل تجود بما تيسر وإن كان قليلاً كفرسن شاة وهو خير من العدم... ويحتمل أن يكون نهيا للمعطاة عن الاحتقار" [شرح مسلم 7/ 120].
ولكن في بعض الحالات نص العلماء على استثناء الهبة والهدية من الاستحباب، قال الإمام الشربيني رحمه الله: "وقد يعرض لها أسباب تخرجها عن ذلك: منها الهبة لأرباب الولايات والعمال -يعني الموظفين- فإنه يحرم عليهم قبول الهدية من أهل ولاياتهم ممن ليست له عادة بذلك قبل الولاية، كما هو محرر في محله، ومنها ما لو كان المتّهب يستعين بذلك على معصية" [مغني المحتاج 3/ 558].
والهدايا التي تقدّم للأطباء ونحوهم من شركات تصنيع الدواء والغذاء، أو من مستوردي الدواء، سواء كانت على شكل منتجات أو هدايا عينية أو هبات مادية، إن كان لا يصاحبها التأثير على قرار الطبيب في صرف علاجات معينة للمريض، ولا تجعله يفضّل نوعاً معيناً من الدواء على غيره؛ لأنه من صنع الشركة مقدمة الهدايا، لكنه يصف للمريض ما هو أصلح له -من حيث الصحة البدنية أو الوفر المالي- فلا بأس في تقديمها وقبولها، وإن كان الأولى عدم ذلك تجنباً للشبهة.
أما إن كانت هذه الهدايا والهبات المقدمة مما ينعكس على مهنية الطبيب ونصحه، بأن كان الهدف منها تجارياً بحتاً، كطلب توجيه المرضى للتعامل الحصري مع الشركة المعينة دون أن يكون للدواء ميزة على غيره مع ارتفاع سعره، مما يسبب إرهاق لأهل المريض بفاتورة الدواء، وعدم تقديم النصح الحقيقي له من قبل الطبيب، فعندها يحرم على الشركة تقديم مثل هذه الهدايا كما يحرم على الطبيب قبولها؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء: ٢٩]، ولأنها بذلك تكون رشوة محرمة؛ وقد ورد عن عبد الله بن عمرو قال: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي" رواه أبو داود.
وأما إن كانت الهدايا عبارة عن عينات دوائية أو غذائية تُعطى للطبيب ونحوه كي تُصرف كعينات مجانية فقبولها جائز؛ لأنها من باب التبرع لا الرشوة.
وعليه؛ فإن كانت الشركة تقدم الهدايا للقابلات مقابل أن يروّجن لمنتجهم بشكل حصري دون أن يكون له ميزة على غيره مع ارتفاع سعره؛ فتقديم الهدية وقبولها حرام؛ لأنها من باب الرشوة، أما إن كانت الشركة تقوم بإهدائهن كنوع من الترويج لنفسها فقط دون ضغط على القابلات، أو تأثير على قرارهن؛ فتقديم الهدية وقبولها جائز.
للاستزادة ينظر قراري مجلس الإفتاء رقم (145) (249)، والفتوى رقم (920). والله تعالى أعلم.