الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
عقد الصيانة هو عقد بين طرفين يتعهد أحدهما للآخر بمراقبة الأجهزة والآلات موضوع العقد في فترات دورية محدودة لتقوم بوظائفها دون تعطل أو نقص، كما يتعهد بإصلاح ما تعطب من القطع أو استبدال التالف منها بالجديد، والتكييف الشرعي لعقد الصيانة هي كونها إجارة أشخاص؛ لأن العامل يلتزم بأعمال إصلاح ومراقبة دورية بأجر متفق عليه.
ولا يخلو عقد الصيانة من وجود شبهة الغرر؛ إذ قد يقع العطل أو النقص وقد لا يقع، ولكنها تعتبر من الغرر اليسير المغتفر بين الناس؛ لأن الغالب المقصود للطرفين في العقد هو تحقيق الانتفاع لهما معاً، وقد جرت الأعراف المعاصرة على اعتبار عقود الصيانة جزءاً مهما من الخدمات التي تساهم في تسيير عجلة الاقتصاد، فهي تندرج في مقصد الحاجات التي لا يستغني عنها الناس دون مشقة، فوجود الغرر فيها معفو عنه شرعاً؛ قياساً على الإجارة والجعالة التي اغتفر فيها الشارع وجود الغرر.
قال الإمام النووي رحمه الله: "الأصل أن بيع الغرر باطل... والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز عنه، فأما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار... فهذا يصح بيعه بالإجماع" [المجموع شرح المهذب 9/ 258].
وقد صدر قرار لمجمع الفقه الإسلامي برقم (103) (11/ 6) بشأن عقد الصيانة، ومما جاء فيه:
"أولاً: عقد الصيانة هو عقد مستحدث مستقل تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود، ويختلف تكييفه وحكمه باختلاف صوره، وهو في حقيقته عقد معاوضة يترتب عليه التـزام طرف بفحص وإصلاح ما تحتاجه آلة أو أي شيء آخر من إصلاحات دورية أو طارئة لمدة معلومة، في مقابل عوض معلوم، وقد يلتزم فيه الصائن بالعمل وحده أو بالعمل والمواد.
ثانياً: عقد الصيانة له صور كثيرة، منها ما تبين حكمه، وهي:
1. عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر، يلتـزم فيه الصائن بتقديم العمل فقط، أو مع تقديم مواد يسيرة لا يعتبر العاقدان لها حساباً في العادة.
هذا العقد يكيّف على أنه عقد إجارة على عمل، وهو عقد جائـز شرعاً، بشرط أن يكون العمل معلوماً والأجر معلوماً.
2. عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر، يلتـزم فيه الصائن بتقديم العمل، ويلتـزم المالك بتقديم المواد.
تكييف هذه الصورة وحكمها كالصورة الأولى".
وعليه؛ فلا حرج في القيام بالاشتراك السنوي من أجل صيانة السيارة، بشرط أن يكون العمل معلوماً بدقة، وكذلك الأجرة، فشركة الصيانة تلتزم بأعمال الصيانة والمراقبة الدورية للمركبة، ويلتزم صاحب المركبة بدفع الأجور وثمن القطع بحسب الاتفاق المبرم بينهما. والله تعالى أعلم.