الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
يجدر بالمسلم في شهر رمضان الفضيل أن يستثمر وقته في الطاعة والعبادة من ذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، وصلة الأرحام، وفعل الخيرات، ومعاونة المحتاجين والفقراء والأرامل والمساكين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقيام الليل، والإكثار من الدعاء، عسى أن يكتب من الفائزين.
ومعلوم أنّ رمضان أيام معدودات سريعة الانقضاء، والانشغال فيه بتناول المباحات التي لا يترتب عليها ثواب هو غبن كبير للنفس، ومن باب أولى أن يكون الانشغال بالمحرمات غبناً أكبر؛ لأنه تفويت للمقصود مع وجود المعاصي.
وأما مشاهدة المسلسلات ونحوها من الأفلام والبرامج التي تتضمن المحرمات ككشف العورات والكلام المنهي عنه والاختلاط المحرم، فهو فعلٌ محرم شرعاً، سواء كان ذلك في رمضان أو غيره من شهور السنة، وعلى المسلم أن يغضّ بصره عما لا يحلّ له في رمضان وفي غير رمضان، قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30، 31]، وعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: (يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ) رواه أبو داود والترمذي. والمعنى: "النظرة الأولى إنما تكون له لا عليه إذا كانت فجأة من غير قصد أو تعمد، وليس له أن يكرر النظر ثانية، ولا له أن يتعمده بدءاً كان أو عودا" [معالم السنن 3/ 222].
ومما هو معلوم أن مشاهدة مثل تلك الأمور ليست سبباً في بطلان الصيام، ولكنها سبب في نقصان أجر الصيام؛ لأنّ الصائم يرتكب محرّماً خلال صومه، ويفهم هذا من قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ) رواه ابن ماجه، قال الإمام البيضاوي رحمه الله: "الْمَقْصُود من إِيجَاب الصَّوْم ومشروعيته لَيْسَ نفس الْجُوع والعطش بل مَا يتبعهُ من كسر الشَّهَوَات وإطفاء نائرة الْغَضَب وتطويع النَّفس الأمارة للنَّفس المطمئنة، فَإِذا لم يحصل لَهُ شَيْء من ذَلِك وَلم يكن لَهُ من صِيَامه إلا الْجُوع والعطش لم يبال الله تَعَالَى بصومه، وَلم ينظر إليه نظر قبُول، وَقَوله: "فلَا حَاجَة لله" مجَاز عَن عدم الِالْتِفَات لَهُ وَالْقَبُول بِنَفْي السَّبَب وَإِرَادَة الْمُسَبّب" [مِصْبَاح الزجاجة للسيوطي].
وأما إن كانت المسلسلات تخلو من المشاهد المحرمة ومن التبرج وكشف العورات ونحو ذلك وتؤدي رسالة للناس، فلا مانع من النظر إليها بشرط أن لا تتعارض مع الفرائض والواجبات، وأن لا تأخذ وقتاً زائداً عن حدها. والله تعالى أعلم.