الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأصل أن يدفن كل ميت في قبر مستقل وحده إلا للضرورة، فيجوز عندئذٍ دفن أكثر من ميت في القبر الواحد، حتى وإن كانوا رجالاً ونساءً، إلا أنه يوضع بين الرجل والمرأة فاصلٌ من تراب، قال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله تعالى: "ولا يدفن اثنان في قبر ابتداء، بل يفرد كل ميت بقبر حالة الاختيار للاتباع... إلا لضرورة كأن كثروا وعسر إفراد كل ميت بقبر فيجمع بين الاثنين والثلاثة والأكثر في قبر بحسب الضرورة، وكذا في ثوب، وذلك للاتباع في قتلى أحد... ولا يجمع رجل وامرأة في قبر إلا لضرورة، فيحرم عند عدمها كما في الحياة، قال ابن الصلاح: ومحلّه إذا لم يكن بينهما محرمية أو زوجية، وإلا فيجوز الجمع. قال الإسنوي: وهو متجه، والذي في المجموع أنه لا فرق فقال: إنه حرام حتى في الأم مع ولدها، وهذا كما قال شيخي هو الظاهر، إذ العلة في منع الجمع الإيذاء؛ لأن الشهوة قد انقطعت فلا فرق بين المحرم وغيره، ولا بين أن يكونا من جنس واحد أو لا، والخنثى مع الخنثى أو غيره كالأنثى مع الذكر، والصغير الذي لم يبلغ حد الشهوة كالمحرم، ويحجز بين الميتين بتراب حيث جمع بينهما ندباً كما جزم به ابن المقري في شرح إرشاده، ولو اتحد الجنس، أما نبش القبر بعد دفن الميت لدفن ثانٍ فيه: أي في لحده فلا يجوز ما لم يبلَ الأول ويصر تراباً" [مغني المحتاج 2/ 40].
وأما ما يتعلق بمسألة دفن المسلم وغير المسلم في نفس القبر أو في مقابر المسلمين؛ فالأصل أن لا يدفن غير المسلم في مقبرة المسلمين، ولا مسلم في مقبرة غير المسلمين إلا للضرورة، فإن اختلط موتى المسلمين وغيرهم دفنوا بين مقابر المسلمين وغيرهم، فإن تعذر ذلك دفنوا في مقابر المسلمين، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "اتفق أصحابنا رحمهم الله على أنه لا يدفن مسلم في مقبرة كفار، ولا كافر في مقبرة مسلمين، ولو ماتت ذمية حامل بمسلم ومات جنينها في جوفها ففيه أوجه: الصحيح أنها تدفن بين مقابر المسلمين والكفار... وكذا إذا اختلط موتى المسلمين والمشركين، قال: وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن نصرانية ماتت وفي جوفها مسلم فأمر بدفنها في مقابر المسلمين" [المجموع شرح المهذب 5/ 285].
وغسل الميت واجب شرعاً، فهو من فروض الكفاية، وأقل ما يسقط به هذا الفرض عند الشافعية أن يعمم بدن الميت بالماء لمرة واحدة، ولا تشترط نية الغسل لصحة غسل الميت، فإن لم يتمكن من غسله لفقد الماء في مثل هذه الظروف، أو كان الغسل يتسبب بتهري الجثة أو تقطيعها كما في حال الحريق ونحوه، فيصار إلى التيمم بدلاً عن الغسل، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "إذا تعذر غسل الميت لفقد الماء أو احترق بحيث لو غسل لتهرى لم يغسل بل ييمم، وهذا التيمم واجب؛ لأنه تطهير لا يتعلق بإزالة نجاسة فوجب الانتقال فيه عند العجز عن الماء إلى التيمم كغسل الجنابة" [المجموع شرح المهذب 5/ 178].
وعليه؛ فيباح في حال كثرة عدد الموتى بسبب الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات ونحوها دفن أكثر من ميت في قبر واحد عند تعذر إفراد كل ميت في قبر، ويجب غسله إن كان جسده يصلح لصبّ الماء عليه، ولا حرج في دفن المسلم مع غير المسلم في نفس القبر في حال عدم التمكن من تمييز ديانة كل ميت. والله تعالى أعلم.