الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على حرمة مصافحة المرأة للرجال الأجانب، بدليل حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ) رواه الطبراني في [المعجم الكبير 20/ 211]، قال ابن حجر الهيتمي: إسناده صحيح. وكذا قال المنذري والهيثمي، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: (إني لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ) رواه النسائي (رقم/4181).
والرجل الأجنبي هو كلُّ من يحل للمرأة أن تتزوج به شرعاً ولو بعد زوال المانع، فيشمل المحرَّمين على المرأة حرمة مؤقتة كزوج الأخت، وزوج العمة، وزوج الخالة، فمثل هؤلاء تحرم مصافحتهم.
ونقض الوضوء في حال لمس المرأة لزوجها أو الرجل الأجنبي من مسائل الخلاف المشهورة بين فقهاء المذاهب المعتبرة، فقد وردت فيها بعض الأدلة المأثورة المتعارضة في الظاهر، فتمسك كل فريق بما فهمه من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلهم مجتهد مأجور.
أما فقهاء مذهبنا -مذهب الشافعية- فقالوا بأن لمس الرجل بشرة زوجته وأيّ امرأة أجنبية ليست من المحارم ناقض من نواقض الوضوء ولو كان المس بدون شهوة –وعليه الفتوى عندنا-، واستدلوا عليه بقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6].
وقد فسر الإمام الشافعي رحمه الله قوله تعالى: {لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} بأنه التقاء البشرة البشرة ولو بغير جماع، وخالف في ذلك الحنفية، فقالوا: إن لمس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا، سواء كانت زوجة أم أجنبية أم محرماً، وسواء كان المس بشهوة أم بغير شهوة.
وقد جمع المالكية والحنابلة بين أدلة الفريقين، فقالوا: اللمس الناقض للوضوء هو التقاء البشرة البشرة بشهوة، وهو المقصود في الآية الكريمة، أما مجرد الالتقاء بغير شهوة كما وقع من عائشة رضي الله عنها في الحديثين السابقين فهذا لا ينقض الوضوء.
ولا يستلزم قول المذاهب الفقهية الأخرى بعدم نقض الوضوء في حال لمس المرأة للرجال الأجانب التساهل في اللمس والمصافحة بحجة أنه أمر عادي. والله تعالى أعلم.