الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأصل في التعاملات المالية أن تبنى على اتفاق واضح وصريح بين الأطراف يبين طبيعة التعامل وتكييفه الشرعي خشية حصول اللبس فيه خاصة عند الاختلاف بين الأطراف، وأما الحالة المذكورة في السؤال، فالتكييف الشرعي للمعاملة يحتمل أمرين:
الأمر الأول: أن يكون الطرفان قد اتفقا على أن يدفع أحدهما مبلغاً من المال ليعمل فيه الطرف الآخر مقابل نسبة معينة من الربح بينهما، سواء الثلث أم الربع أم النصف، أو نسبة مئوية، فإذا وقعت الخسارة يخسر صاحب المال ماله، وصاحب العمل جهده وتعبه؛ فهذه شركة مضاربة، ولا يجوز أن تكون نسبة الربح مجهولة، أو أن يضمن أحد الشريكين حصة الشريك الآخر إن لم يقصر الطرف الضامن بمهامه، لأن ذلك يفسد الشركة؛ وعند فساد عقد المضاربة يستحق رب المال رأس ماله مع الأرباح، ويستحق الشريك العامل أجرة المثل من مال الشريك الآخر؛ قال الإمام زكريا الأنصاري رحمه الله: "وكل منهما -أي من الشريكين عند فساد الشركة- له على الآخر أجر مثل ما عمل له" [الغرر البهية في شرح البهجة الوردية 3 /169].
فإذا تسبب المضارب في خسارة الشركة نتيجة التعدي والتقصير؛ فيضمن ما تسبب بخسارته نتيجة تعديه أو تقصيره، والتعدي والتقصير يرجعان غالبا إلى التصرف بالإضرار بالمضاربة، أو بربِّ المال، أو مخالفة مقتضى عقد المضاربة، أو الشروط المقترنة بالعقد، أو عدم التقيد بمصلحة ربِّ المال، والذي يقدِّر ذلك هم أهل الخبرة؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "تقيد تصرف العامل بالمصلحة كتصرف الوكيل" [روضة الطالبين 5/ 127].
الأمر الثاني: أن يكون المبلغ المدفوع ديناً من طرف لطرف آخر على أن يأخذ صاحبه عليه أرباحاً شهرية؛ فهذا من الربا المحرم شرعاً، يجب التوبة منه بأخذ المقرض أصل ماله وترك ما زاد عليه امتثالاً لقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279]. والله تعالى أعلم.