الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
القيام للقادر في صلاة الفريضة ركن لا تصح الصلاة إلا به، فإن عجز المصلي عن القيام صلى جالساً ولا شيء عليه، سواء أكان منفرداً، أو إماماً، أو مأموماً، ويصح اقتداء المصلين بالإمام الجالس، وتكون صلاتهم صحيحة على هذه الهيئة، قال الخطيب الشربيني رحمه الله: "وتصح القدوة للمتوضئ بالمتيمم الذي لا إعادة عليه... وللقائم بالقاعد والمضطجع؛ لما روى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنه صلى الله عليه وسلم صلى في مرض موته قاعداً وأبو بكر والناس قياماً" [مغني المحتاج 1/ 483].
ويجب على المأمومين أن يتابعوا أفعال الإمام كلها بالصلاة وهم قيام، وأن يأتوا بالركوع والسجود بصورتهما المعروفة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء، محتجين بحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم: "فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَاعِدًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ مُقْتَدُونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه" رواه البخاري.
والحديث السابق كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته، فهو ناسخ لما سبقه من الحديث الصحيح: (وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا)، لذلك قال الإمام البخاري عقب روايته حديث (وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا): قال الحميدي: هذا الحديث منسوخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم آخر ما صلى، صلى قاعداً والناس خلفه قيام.
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "استُدل به على نسخ الأمر بصلاة المأموم قاعداً إذا صلى الإمام قاعداً؛ لكونه صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على القيام خلفه وهو قاعد، هكذا قرره الشافعي، وبذلك يقول أبو حنيفة، وأبو يوسف، والأوزاعي، وحكاه الوليد بن مسلم عن مالك، وأنكر أحمد نسخ الأمر المذكور بذلك، وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين" [فتح الباري 2/ 176].
وعليه؛ فصلاة الإمام الجالس لعذر صحيحة لنفسه وللمأمومين. والله تعالى أعلم.