الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الواجب شرعاً أن يتحرى المزكي ويسأل العلماء حتى يخرج مقدار الزكاة الواجبة عليه دون زيادة أو نقصان؛ قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
وعلى ذلك فإذا أخرج المزكي مبلغاً زائداً عن مقدار الزكاة الواجبة اعتبر من الصدقة التي يثاب عليها؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158]، وليس للمزكي الرجوع على المستحق للزكاة إلا إذا بيّن له عند دفع المال أن هذا من الزكاة؛ لأن التمليك قد حصل للمستحق؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "لأن الصدقة قد تقع فرضاً وقد تقع تطوعاً، فإذا لم تقع فرضاً وقعت تطوعاً؛ كما لو أخرج زكاة ماله الغائب ظاناً بقاءه، فبان تالفاً فإنه يقع تطوعاً" [المجموع شرح المهذب 6/ 183].
ولا يصحّ اعتبار هذا المبلغ الزائد زكاة معجلة عن العام القادم؛ لأنّ المزكي كان قد نوى إخراج ذلك المبلغ عن السنة الفائتة، وتعجيل الزكاة عن السنة القادمة يحتاج إلى نية أخرى؛ لأنّ زكاة كل سنة تعتبر عبادة مستقلة، فيجب تجديد النية لكل سنة سواء أخرجها في موعدها أم كانت معجلة.
وقد نصّ فقهاء الشافعية على أنّ المزكي لو وجبت عليه زكاة مال معين وأخرج عنه المقدار الواجب، ثم تبيّن خطؤه -كأن تبين أن المال المعين تالف- لم يجزئه أن ينوي بزكاته المدفوعة عن مال آخر يملكه؛ جاء في [مغني المحتاج 2/ 130]: "ولا يجب في النية تعيين المال المخرج عنه عند الإخراج؛ لأن الغرض لا يختلف به كالكفارات، فلو ملك من الدراهم نصاباً حاضراً ونصاباً غائباً عن محله، فأخرج خمسة دراهم بنية الزكاة مطلقاً، ثم بان تلف الغائب فله المخرج عن الحاضر، ولو عين لم يقع عن غيره ولو بان المعين تالفاً؛ لأنه لم ينو ذلك الغير".
وعليه؛ فلا يعتبر المبلغ الزائد الذي دفعه المزكي بالخطأ زكاة معجلة عن السنة القادمة، ويصح له الرجوع على المستحق للزكاة إذا بيّن له عند الدفع أن هذا المال من الزكاة. والله تعالى أعلم.