الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
عدم جواز انتحال شخصية الغير مبدأٌ شرعيّ وأخلاقيّ وقانونيّ مقرَّر، فلا يجوز انتحال شخصية المتوفى، أو إلقاء الكلام على لسانه، فإنَّ كلَّ كلام أو فعل يحصل في الواقع ينسب إلى شخص قائله أو فاعله، وهذا الأصل من أصول التكليف، يقول الله سبحانه وتعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى* وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم: 38-40]، ويقول الله سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38].
وممّا يجدرُ مراعاته في هذه المسألة سياسةُ الموقع المتبعة عند وفاة صاحب الحساب، فإن كان يسمح بانتقال إدارة الحساب إلى آخرين فلا حرج في ذلك شرعاً، بشرط أن لا يكون بصفةٍ تتضمن انتحال شخصية المتوفّى، وأن لا يستأثر أحد الورثة بإدارة الحساب، خصوصاً إذا كان تصرفه يضرّ بالآخرين، وبشرط الالتزام بالأحكام الشرعية كافةً في إدارة الحساب، ومراعاة الآداب العامة والأخلاق، والإعلان عن وفاة صاحب الحساب الأصلي وأن إدارة الحساب انتقلت إلى غيره.
وأما إن كانت سياسة الموقع لا تسمح بانتقال إدارة الحساب فذلك يحسم الأمر، فلا يجوز الاحتيال للاحتفاظ بالحساب بعد وفاة صاحبه.
وينبغي التفرقةُ في هذه الأحكام بين الحسابات الشخصية من جهة، والحسابات التجاريَّـة ذات القيمة أو التي تملك حقوق تأليف أو ابتكار وتدرّ دخلاً مالياً أو قابلة للانتفاع الماليّ بمحتواها، فهذه الأخيرة تكون بمثابة الإرث الشرعيّ الذي يؤول إلى الورثة بحسب الحصص الشرعيّة، لأن الاسم التجاريّ حقّ مصونٌ شرعاً، وله قيمة مادية في الاجتهاد الفقهيّ المعاصر، وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي قراراً برقم 43 (5/ 5) بشأن الحقوق المعنوية، جاء فيه: "أولاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمول الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها".
وعليه؛ فإنّ الإنسان له شخصيته الاعتبارية الخاصة به حال حياته وبعد وفاته، وهذا مبدأ مقرَّر شرعاً وقانوناً، والالتزام به التزامٌ أخلاقيّ نابع من مسؤولية الإنسان تجاه الآخرين، فالأصل أن لا يتصرف أحدٌ في حساب المتوفى على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، ولا يجوز مخالفة هذا الأصل إلا في ظروف محددة ومنضبطة بما لا يخلّ بالأصل المقرّر، وبشرط أن لا يكون في ذلك إضرار بالآخرين. والله تعالى أعلم.