الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الزّكاة ركنٌ من أركان الإسلام، وفرضٌ من فروضه، وعبادة من أجَلِّ العبادات، وهي شقيقة الصلاة، ثبتَت بالكتاب والسّنة وإجماع الأمّة، والزكاة تعني: الطّهارة والنّماء والبركة والصّلاح، فرضها الله سبحانه للمستحقّين، وسمّيت الحصة المخرَجة من المال زكاة؛ لأنها تزيد في الخير من المال الذي أخرجت منه، وتقيه الآفات، كما نقله الإمام النووي عن الواحدي.
والنّماء والطّهارة ليستا مقصورتين على المال، بل يتجاوزانه إلى نفس المعطي، كما قال الله سبحانه: )خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( [التوبة: 103]
ودعا جميع الأنبياء والرّسل إلى البرّ بالفقراء والضّعفاء، كقول سيّدنا عيسى عليه السّلام: )وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا( [مريم: 31]، ووصف القرآن الكريم سيّدنا إسماعيل عليه السلام بقوله: )وكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا( [مريم: 55].
وبيّن ربّنا سبحانه وتعالى أنّ قهر اليتيم وإضاعة المسكين من لوازم الكفر والتكذيب بيوم الدّين، فقال سبحانه: )أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ . وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ( [الماعون: 1 -3].
وقد توعّد الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم مانعي الزكاة بالعذاب الأليم، فقال سبحانه: )وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ( [التوبة: 34]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ - ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلاَ: (لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) الآية رواه البخاري. وعن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ) رواه مسلم.
إنّ الزكاة والصدقات من أعظم أعمال البرّ التي ينبغي أن يتنافس المؤمنون على أدائها وإخراجها لمستحقّيها، فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) متفق عليه، ومعنى قوله (فسلطه على هلكته في الحقّ): أي أنفقه في الطاعات والقربات. والقصد منها تطهير مال المُزكي، وتخليصه من شحّ نفسه، وتكافله مع الفقراء من أبناء مجتمعه، وتقليل حسد الناس له، كما أنها تسدّ حاجة المستحقّين لها، مما يؤمّن لهم العيش العفيف.
وتجب الزّكاة على مَن مَلك نصابًا زكويًّا، وحال الحول على ملكه له، ولا يجوز تأخيرها عن أوّل وقت وجوبها لغير عذر، لكن يجوز تعجيلها، فللمزكّي أن يخرج زكاة ماله قبل حلول الحول، قال الإمام الخطيب الشربيني: "(وَيَجُوزُ) تَعْجِيلُهَا فِي الْمَالِ الْحَوْلِيِّ (قَبْلَ) تَمَامِ (الْحَوْلِ) فِيمَا انْعَقَدَ حَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ (سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد" [مغني المحتاج].
وبسبب الظروف التي نعيشها هذه الأيام، حيث يعيش فريق من الناس دون عمل أو مال، ولا قدرة لهم على تحقيق احتياجاتهم الأساسية، نرى أن يبادر أصحاب الأموال ممّن أنعم الله عليهم، بإخراج زكاة أموالهم، وإن لم يحلْ الحول عليها، ولا نرى تأخيرها لرمضان، حيث تمسّ الحاجة إليها في هذه الظروف، ولا شكّ أن شهر شعبان من الأشهر المباركة التي يحرص المسلم على اغتنامها في فعل الخيرات والقُرُبات؛ لأنّ فيه تُرفع الأعمال، ويشير إلى ذلك الحديث، فعن أسامة بن زيد، قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، فأحبّ أن يرفع عملي وأنا صائم) رواه النَّسائي، ولا شكّ أنّ حاجة النّاس تشتدّ في هذه الأيام، ممّا يجعل إخراج الزّكاة فيها أفضل من إخراجها في رمضان وأعظم أجرًا.
كما نذكّر الجميع بأهميّة الصدقة، ولو بالشيء اليسير، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً تَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ، حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ) رواه الترمذي. والله تعالى أعلم