الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الذّكر والدّعاء من أعظم العبادات والقُرُبات، وبفضلهما شهدت النصوص الكثيرة من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي غير خافية على أحد.
والعبدُ هو الذي يستفيد من الذّكر والدّعاء، حيث يُعلن بهما عبوديته لله تعالى، وأنه يطلب القرب منه جلّ جلاله، واللهُ تعالى يكرمه بهذا التوجه والطلب بأن يكون معه سندا وظهيرا ومستجيبا، قال الله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152]، وقال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60] وهذا ممّا لا خلاف فيه.
أما الذكر والدعاء الجماعيّ، ورفع الصوت بهما فمستحبٌّ، وقد دلّت النصوص الكثيرة على ذلك، ومنها على سبيل المثال: ما ورد في كتاب الله من طلب الذكر والدعاء بصيغة الجمع، كالآيتين التي مرّ ذكرهما، أما من السنة: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَقُولُ اللَّهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ) متفق عليه. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) رواه الترمذي، ولا يخفى أنّ الذكر الجماعي يكون من خلال الجهر بالذكر غالبًا.
وقد استدلّ بعض العلماء على استحباب الإسرار بالذّكر والدعاء، مستدلّين بنصوص من الكتاب والسّنة أيضا، ولا تعارض بين ما بيّناه سابقا وبين هذا القول؛ لأنّ استحباب الجهر بالذكر والدعاء، وكونهما في جماعة أو على انفراد أو استحباب الإسرار بهما يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، فلا يجوز تخطئة من قال بأحدهما أو تبديعه.
أمّا المواضع التي ورد بها ذكر خاصٌّ أو دعاءٌ خاصّ فالمأثور أفضل من غيره، كأدعية وأذكار الصلاة على سبيل المثال، فالمأثور فيها أفضل من غير المأثور، أمّا ما لم يرد به نصٌّ مأثور فيدخلُ في عموم الندب والاستحباب المذكور في الآيات والأحاديث سابقة الذكر.
والذكر من أسباب رفع البلاء، وقد ورد في ذلك نصوص كثيرة منها على سبيل المثال: عن أنس، أن النبي صلى عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، ومن سيئ الأسقام) رواه أحمد وأبوداود، فلو لم يكن لهذا الذكر والدّعاء فائدة لما علّمنا إياه نبيّنا صلى الله عليه وسلم، ومثله أحاديث كثيرة جدا في الاستعاذة من الفقر، والهمّ والحزَن، وغيرها. أما عمل الحملات للاستغفار والدعاء والصيام فمن باب التعاون على البرّ والتقوى، قال الله تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان) [المائدة: 2] ولا يعتبر هذا الأمر من البدع؛ لأن البدعة كل ما اخترع في الدين مما يتعارض مع الشرع؛ وهذا الاجتماع والتعاون وسيلة وليس عبادة مقصودة لذاتها، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: "البدعة: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، فأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه، فليس ببدعة شرعاً، وإن كان بدعة لغة" [جامع العلوم والحكم]. والله تعالى أعلم