الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
أجمعت الأمة على قدسية المصحف ووجوب تعظيمه وعدم امتهانه، فتعظيمه من تعظيم الله تعالى، قال الله عزّ وجلّ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحج/32.
وقد أجاز العلماء حرق النسخ التالفة من المصحف إذا تعذر استخدامها، أو دفنها في مكان طاهر صيانة لها حتى لا توطأ بالأقدام أو تلقى على الأرض، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى أن الصحابة أحرقوا الصحائف المشتملة على الآيات القرآنية بعد تمام النسخ، حيث ورد عن عثمان أن "أَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ، أَنْ يُحْرَقَ" رواه البخاري.
قال ابن بطال رحمه الله: "وفي أمْر عثمان بتحريق الصحف والمصاحف حين جمع القرآن جواز تحريق الكتب التي فيها أسماء الله تعالى، وأن ذلك إكرام لها، وصيانة من الوطء بالأقدام وطرحها في ضياع من الأرض. وروى معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه أنه كان يحرق الصحف إذا اجتمعت عنده الرسائل فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، وحرق عروة بن الزبير كتب فقه كانت عنده يوم الحرة، وكره إبراهيم أن تحرق الصحف إذا كان فيها ذكر الله، وقول من حرقها أولى بالصواب". [شرح صحيح البخاري لابن بطال 10/ 226]، وقال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "هذا يقتضي حرمة حرق المصحف، أي: لغير غرض...، وهذا الغرض معتبر كما في قصة سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه" [تحفة المحتاج 1/ 156].
وعليه؛ فإنه يجوز حرق النسخ التالفة من المصحف، والأوراق المشتملة على لفظ الجلالة، صيانة لها عن الامتهان، ويكون ذلك بتخصيص مكان طاهر للحرق، وأنْ لا يلحق هذا المكان الأذى بالناس مع مراعاة شروط السلامة والأنظمة المتعلقة بذلك، وأن يدفن الرماد في مكان طاهر، ولا مانع أن تقوم لجنة الزكاة ببناء غرفة لمثل ذلك بشرط أن لا تكون من أموال الزكاة. والله تعالى أعلم.