الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الطبيب العارف بمهنته والقائم بها على أصولها الصحيحة لا يضمن ما قد ينتج من حوادث طبية لم يتسبب فيها -سواء كانت وفاة أم غيرها- إذا نتجت عن مضاعفات مرضية مثلاً، قال الإمام ابن حجر رحمه الله: "ذكر ابن سريج أنه لو سرى من فعل الطبيب هلاك وهو من أهل الحذق في صنعته، لم يضمن إجماعاً، وإلا ضمن قوداً أو غيره لتغريره، قاله الزركشي وغيره" [تحفة المحتاج 9/ 197].
ونقل الإمام الشربيني عن ابن المنذر قال: "وأجمعوا على أن الطبيب إذا لم يتعدَّ لم يضمن" [مغني المحتاج 5/ 539].
ومسؤولية الطبيب تتحدد في الخطأ الطبي الذي ينتج عن عدم معرفته بأصول المهنة، أو مخالفته لقواعد العلاج المتفق عليها بين خبراء مهنة الطب، وهذا يُرجع فيه إلى الجهات المختصة، قال العلامة ابن فرحون المالكي رحمه الله: "أما إذا كان الطبيب جاهلاً أو فعل غير ما أذن له فيه خطأ، أو يجاوز الحدّ فيما أذن له فيه أو قصر فيه عن المقدار المطلوب، ضمن ما تولد عن ذلك" [تبصرة الحكام 2/ 340] بتصرف يسير.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في الدورة الثالثة والعشرين: "اعتبارُ الطبيب ضامناً في حالات التقصير والتعدي المخالف لقواعد العلاج المتفق عليها بين خبراء مهنة الطب"، والتعدي فعل ما لا يجوز، والتقصير ترك ما يجب، وفي هذه الحالة تجب الدية على الطبيب نفسه؛ لتعديه.
أما إذا كانت الوفاة ناتجة عن أخطاء طبية، فيجب في مثل هذه الحالات التعويض عن الضرر أو الدية في حالة الوفاة، ولا يجب القصاص إلا إذا ثبت تعمد الطبيب القتل؛ لأن الخطأ الطبي يعتبر من قبيل القتل الخطأ، قال الإمام الخطابي رحمه الله: "لا أعلم خلافاً في المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامناً.. فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية وسقط عنه القود؛ لأنه لا يستبدّ بذلك دون إذن المريض، وجناية الطبيب في قول عامّة الفقهاء على عاقلته" [معالم السنن 4/ 39].
فإن كان في فعل الطبيب نوع من التعدي والتقصير، أو فعل لم يؤذن للطبيب به، أو كان جاهلاً، فتجب الدية على الطبيب نفسه؛ لأنه وهذه الحالة يتحمل نتيجة تعديه.
وعليه؛ فإذا قصر الطبيب في الالتزام بقواعد وأصول المهنة المتعارف عليها بين أهل الطب أو خالف هذه القواعد والأصول، وترتب على ذلك وفاة استحق أولياء المتوفى الدية على الطبيب، ويرجع في تحديد الخطأ الطبي إلى الجهات المختصة. والله تعالى أعلم.