الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
بعد الاطلاع على عقد البيع الابتدائي لقطعة الأرض، تبين أن الاتفاق على مبلغ العربون كان مقترناً بعقد البيع كما جاء في العقد، وفي حال نكول المشتري عن شراء الأرض، فقد اختلف الفقهاء في أخذ البائع العربون في هذه الحالة على رأيين:
فقد ذهب الحنفية والشافعية إلى عدم جواز أخذ البائع لمبلغ العربون في حال كان اشتراطه مقترناً بإنشاء عقد البيع، مستدلين بما رواه ابن ماجه عن عمرو بن شعيب: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ".
وذهب الحنابلة إلى جواز أخذ البائع لمبلغ العربون في مثل هذه الحالة، مستدلين بما رواه الإمام البخاري تعليقًا، قال: "واشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الحَارِثِ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعمِئَةِ دِينَارٍ". وقد ضعَّف الإمام أحمد الحديث الذي احتج به الجمهور على المنع، وقال عنه الحافظ ابن حجر: "فيه راو لم يسمَّ، وسمي في رواية لابن ماجه ضعيفة عبد الله بن عامر الأسلمي، وقيل هو ابن لهيعة، وهما ضعيفان" [التلخيص الحبير3/ 44].
وأجاز "مجمع الفقه الإسلامي" بيع العربون إذا قُيدت فترة الانتظار بزمن محدود، ويحتسب العربون جزءًا من الثمن إذا تم الشراء، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء. [الدورة الثامنة قرار (76/ 3/ 85)]، كما أجاز القانون المدني الأردني بيع العربون في المادة (107) منه.
والمختار عندنا جواز بيع العربون، وأن العربون الذي يدفعه المشتري يكون جزءًا من الثمن إن أمضى البيع، وإلا فهو للبائع إن عدل المشتري عن الشراء، شريطة أن يُحدد بفترة زمنية يتفق عليها الطرفان، وهذا من باب خيار الشرط. والله تعالى أعلم