الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
شدد الإسلام في بيع الأموال الربوية؛ حفاظاً على استقرار النقود والمعاملات ودفعاً للمفاسد الكبيرة التي تترتب على الربا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم.
فالذهب يجوز بيعه بالذهب بشرط التماثل في الوزن بين البدلين والقبض في مجلس العقد، وأما بيع الذهب بالعملة النقدية فيشترط فيه القبض في مجلس العقد فقط.
وأما القيود التي تخص تجارة الذهب فهي:
أولاً: لا يجوز بيع ذهب حال بذهب مؤجل؛ منعاً من الوقوع في ربا النسيئة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) متفق عليه.
ثانياً: العبرة بتساوي الوزن الحقيقي للذهب الصافي، ولا عبرة للجودة والاستعمال والصياغة عموماً؛ لأن الأدلة الشرعية اشترطت المماثلة، ولم تتعرض للوصف الذي يسبب اختلاف القيمة، قال الإمام السبكي: "أما الجودة فقد أسقطها الشرع حيث قال جيدها ورديئها سواء" [المجموع شرح المهذب 10/ 70].
فلا يجوز بيع ذهب مستعمل بذهب جديد إلا بتماثل الأوزان، ولا عبرة كذلك باختلاف العيارات في بيع الذهب بالذهب إذا اتحد الوزن، فيصح شرعاً بيع ذهب صحيح بذهب مكسر إذا تماثلا في الوزن، ويصح بيع عيار 24 بعيار 18 إذا تماثلا في وزن الذهب الصافي.
ثالثاً: إضافة بدل الفاقد الطبيعي الناتج من عملية التصنيع على نسبة الذهب الموجودة في الذهب الخالص يعتبر من التدليس والغش المنهي عنه شرعاً، ولكن إذا كان التعامل بذلك متعارفاً عليه بين تجار الذهب، فلا حرج به شرعاً بشرط أن تباع القطعة المصنعة بالعملة النقدية، وأن يكون المشتري عالماً بذلك؛ لأن العبرة في بيع الذهب بالذهب بالوزن الصافي الحقيقي للذهب.
رابعاً: قطعة الذهب التي تحتوي على أحجار كريمة لا يجوز بيعها بالذهب؛ لوجود شبهة الربا، فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: اشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلَادَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، فَفَصَّلْتُهَا، فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفَصَّلَ) رواه مسلم، ولكن لو بيعت هذه القطعة بالعملة النقدية جاز ذلك شرعاً.
خامساً: إذا أراد الزبون تركيب قطعة حجر على الذهب، فلا يجوز محاسبته على وزن الذهب قبل الصياغة؛ لأنّ ذلك من التدليس والغشّ، ويمكن أن يبيع الصائغ للزبون الذهب قبل الصياغة بوزنه، ثم يتفق مع الزبون على صياغة الذهب بالأجرة المتفق عليها بشرط أن يعلمه بالوزن الذي ستخسره قطعة الذهب بعد الصياغة. والله تعالى أعلم.