الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
المرابحة بيع يقوم على أساس معرفة الثمن الأول وزيادة ربح، فهو من بيوع الأمانة التي ينبغي أن يكون الثمن والربح فيها معلومين، بناء على اتفاق بين المتعاقدين. كما قال الشربيني رحمه الله: "يصح بيع المرابحة... بأن يشتري شيئاً بمائة مثلاً، ثم يقول لغيره وهما عالمان بذلك: بعتك بمائتين، أو بما اشتريت، أي بمثله، أو برأس المال، أو بما قام عليَّ أو نحو ذلك، وربح درهم لكل عشرة" "مغني المحتاج" (2/476)
فالمرابحة صورة من صور البيع، والبيع جائز بالإجماع؛ قال الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275، قال ابن قدامة رحمه الله: "هذا جائز لا خلاف في صحته، ولا نعلم فيه عند أحد كراهة" "المغني" (4/136)،وبهذا عملت البنوك الإسلامية في كثير من تعاملاتها التجارية.
ويختلف بيع المرابحة عن البيوع الشائعة في أنّ البيع العادي لا يعرف فيه المشتري ربح البائع، بخلاف بيع المرابحة؛ فإنّ المشتري يعرف ربح البائع، وباتفاق معه على الزيادة على رأس المال.
وبهذا يتبين الفرق بين المرابحة والربا من وجوه عدة:
أولاً: المرابحة بيع سلعة يجوز فيها الزيادة والنقصان، في حين أن الربا عملية قرض بزيادة ترد على النقود فقط؛ وذلك لأن النقود وسيلة في الإسلام وليست سلعة، في حين أن الاقتصاد الرأسمالي يعتبر النقود سلعة.
ثانياً: البائع في المرابحة يشتري السلعة ويقبضها وتدخل في ضمانه، ثم يبيعها للمشتري منه نقداً أو بالأقساط؛ ولذا فإنه يتحمل المسؤولية عن الشيء الذي اشتراه قبل أن يبيعه إلى المشتري ويسلمه إياه، أما المرابي فهو يقرض غيره كي يشتري ما يحتاجه بنفسه، ولا يشتري المرابي هذا الشيء ولا يتملكه ولا يدخل في ضمانه، ولا يتحمل أية مسؤولية عنه أبداً.
وهذا الفرق الجوهري بين المعاملة الإسلامية والمعاملة الربوية هو الذي جعل ربح البنوك الإسلامية جائزاً؛ لأنه ناتج عن عملية بيع وشراء وضمان، وجعل ما تتقاضاه البنوك الربوية من فوائد حراماً؛ لأنها مقابل عملية الإقراض فقط.
ثالثاً: أرباح البنوك الإسلامية لا تقبل الزيادة خلال فترة تقسيط الثمن في المرابحة؛ لأن نسبة الربح ثابتة، وأما في عقود القروض الربوية فإن نسبة الفائدة متغيرة؛ لوجود شرط ينص على أن الفائدة قابلة للتعديل خلال سداد أقساط القرض الربوي.
رابعا: المرابحة الإسلامية بيع يتم فيه تداول سلعة معينة، وفي هذا تحريك لعجلة الاقتصاد في المجتمع، أما الربا فهو تأجير مجرد للنقود، وتعطيل لحركة الاقتصاد. والله تعالى أعلم