الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله يجوز للقاضي الشرعي أن يبيع ملك المدين أو المفلس لوفاء غرمائه، بشرط أن يكون الأنفع والأغبط لمصلحة المالك، وأن يباع بثمن المثل على الأقل، وأن يلتزم بما ذكره الفقهاء في كتبهم من ضوابط شرعية.
ودليل ذلك حديث أنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: «أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟» قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ: «ائْتِنِي بِهِمَا»، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟» قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: «مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا»، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: «اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ،»، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا»، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ) رواه أبوداود.
جاء في "مغني المحتاج" من كتب الشافعية: "وليبع ندبا بحضرة المفلس أو وكيله وغرمائه أو وكيلهم؛ لأن ذلك أنفى للتهمة وأطيب للقلوب؛ ولأن المفلس يبين ما في ماله من عيب فلا يرد، ومن صفة مطلوبة فيرغب فيه؛ ولأنه أعرف بثمن ماله فلا يلحقه غبن؛ ولأن الغرماء قد يزيدون في السلعة.
والأولى أن يتولى البيع المالك أو وكيله بإذن الحاكم.
ولا يختص هذا الحكم بالمفلس، بل كل مديون ممتنع يبيع القاضي عليه. لكن في غير المفلس لا يتعين فيه البيع، بل القاضي مخير بينه وبين إكراهه على البيع كما في زيادة الروضة عن الأصحاب.
وليبع ندبا كل شيء في سوقه؛ لأن طالبه فيه أكثر، والتهمة فيه أبعد، ويشهر بيع العقار ليظهر الراغبون فلو باع في غير سوقه بثمن مثله جاز، نعم إن تعلق بالسوق عرض معتبر للمفلس أو للغرماء وجب... وإنما يبيع بثمن مثله فأكثر حالا من نقد البلد وجوبا كما صرح به في المحرر؛ لأن التصرف لغيره فوجب فيه رعاية المصلحة كالوكيل والمصلحة ما ذكره. ولو رأى الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم جاز" انتهى باختصار.
وما يتم في المحاكم اليوم، فينظر فيه القاضي بما يحقق مصلحة المتخاصمين.
فإذا وقع البيع ضمن الشروط السابقة، فهو بيع جائز حلال، لكن إذا علم المشتري –من وقع عليه المزاد- أن الثمن أقل من سعر المثل ولم يعلم رضا المالك بذلك؛ فالأولى له الاحتياط. والله تعالى أعلم