الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
لا نرى لومك لنفسك وشدة تحسرك إلا سبيلًا لوسوسة الشيطان الرجيم، فهو - أعاذنا الله منه - دائم السعي في تثبيط ابن آدم، وكسر همته وإرادته، وبث اليأس والقنوط في قلبه، كما أخبرنا الله عنه حين قال: (وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) الفرقان/29.
فإياك أن يقعدك الأسى والندم عن التقدم والعمل، ولتكن هذه الحسرة على ما فات حافزًا للاستكثار من الخيرات والأعمال الصالحات، وقضاء ما فات.
وأما سعي المرأة في تزويج نفسها فأمر جائز لا حرج فيه في المجتمع الصالح، وهو من اتخاذ الأسباب الذي أمرنا به، فقضاء الله وقدره لا يتعارض مع اتخاذ أسباب موصلة إليه، والسعي في ذلك ابتغاء مرضاة الله من العبادة، لكن المجتمع اليوم تغير، والتي تعرض نفسها للخطاب لو تزوجها أحدهم سيعيرها بذلك يوما ما، لذلك يجب أن يكون سعي المرأة في تزويج نفسها بطريق غير مباشر، بأن تطلب من بعض أوليائها الذين تثق بهم السؤال عن بعض الصالحين الذين يمكن أن يتقدموا لخطبتها، ليزيِّنَ الأمر في نفسه، ويسهل عليه تكاليفه، فإذا وافق فالحمد لله، وإذا لم يوافق فلا يضير المرأة ولا وليها شيئًا، فقد خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابنته حفصة عثمان بن عفان فاعتذر، ثم خطب لها أبا بكر فسكت لِما يعلم من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، حتى تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري، وعلق عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله بقوله: " فيه عرض الإنسان ابنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه ؛ لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه ، وأنه لا استحياء في ذلك " انتهى.
فإذا جاء الخاطب المتدين المتخلق بأخلاق الإسلام، فالمرأة بالخيار بين القبول والرفض؛ لأن الزواج له اعتبارات أخرى، علما بأنه ليس من خلق الإسلام رد الخاطب بسبب فقره، ومن رده لفقره لا يأمن أن يبتلى بما ابتلي به، وقد وعد الله من أراد الزواج بالمعونة فقال: ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور/32.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) رواه الترمذي.
وطريق الزواج معروف لدى الجميع، ولا يكون بمقابلة خارج نطاق الأسرة؛ فذلك لا يجوز، ويخشى أن يكون بداية لخدعة شيطانية، كما لا يجوز وضع صورة المرأة على المواقع الإلكترونية، وإنما تذكر صفاتها للخاطب الصادق في خطبته، وقد قيل بصدق: " لا تُكثِر هَمَّك، ما قُدِّرَ يكون ". والله أعلم.