الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، شرعها الإسلام رعاية للفئات المستضعفة في المجتمع، كالفقراء والمعوزين، تؤخذ من الأغنياء فترد على المستحقين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ بن جبل حينما أرسله إلى اليمن: (إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) متفق عليه.
وقد أوجب الله تعالى الزكاة في أنواع من المال، كالذهب والفضة والنقود المتداولة والأنعام والزروع والثمار وعروض التجارة وغير ذلك.
ويجب أن تخرج الزكاة من كل صنف في عينه إلا زكاة عروض التجارة فيجب إخراجها بالقيمة.
والواجب في زكاة النقد أن تخرج نقداً، فلا يجوز إخراجها طروداً غذائية، أو دواءً، أو لباساً أو غير ذلك؛ للأمور الآتية:
أولاً: أن الزكاة حق للفقراء، والفقير أدرى بحاجته من غيره، ولسنا وكلاء في التصرف عنه.
ثانياً: أن إخراج غير النقد لا يحقق حكمة الزكاة في سد حاجات الفقراء والمساكين التي تتعدد لا سيما في هذا العصر، فحاجة الفقير لا تقتصر فقط على الطعام والمواد الغذائية، فهناك حاجات كثيرة تقتضيها متطلبات العصر الذي نعيشه، وإخراجها نقداً يحقق الحكمة منها في سد هذه الحاجات.
ثالثاً: ولأن إخراجها بالقيمة لا يحقق قاعدة التمليك؛ إذ الواجب تمليك الفقير الزكاة كما وجبت من غير تصرف من قبل المزكي أو غيره، وهو بهذا التصرف يتصرف فيما لا يملك، فالزكاة حق للمستحق من فقير أو غيره في مال الغني، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) المعارج/24-25، ولهذا فإن المزكي إذا أخرّ إخراجها من غير عذر أثم، وإذا تلفت ضمنها.
رابعاً: وكما أن إخراج الطرود قد يساعد على إخراج البضائع الكاسدة والفاسدة التي انتهت صلاحيتها، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ*الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/267-268، ولن يدخل المرء الجنة ولن ينالها حتى ينفق مما يحب ويتصدق مما يحب، قال الله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) آل عمران/92.
أما الصدقات التطوعية فيجوز إخراجها طروداً غذائية أو غيرها(*). والله تعالى أعلم.
(*) تنبيه: (نشر بتاريخ 7/ 4 /2015م)
المقصود بهذه الفتوى تحقيق مصلحة الفقير التي كثيراً ما تتمثل بالنقود وليس بالبضائع والمواد العينية، خاصة إذا كان مقصود التجار التخلص من كاسدها وفاسدها ولم يكن الفقير بحاجة إليها.
ولكن إذا تحرى المزكي أو الجمعيات الخيرية التي تجمع الزكاة مصلحة الفقير، وقدموا الغذاء والدواء الذي يحتاجه حقيقة على وجه الزكاة فلا حرج في ذلك، ودائرة الإفتاء تفتي بمذهب السادة الحنفية في هذه الحالة، وقد أكدت ذلك في فتوى جديدة صدرت بتاريخ (2 /4 /2015م) رقم: (3063)، فاقتضى التنبيه هنا كي لا يظن وقوع تعارض بين الجوابين.