لم يثبت استحباب تغطية الرأس ـ في الصلاة أو عند الخروج من المنزل ـ في الأحاديث الصحيحة، ولكن كانت تغطية الرأس زينة في بعض البلاد والمجتمعات، وما زالت كذلك، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس العمامة وتزين بها.
فإن كانت تغطية الرأس زينة وعادة مستحبة في بلد، كان لبسها عند الخروج - وخاصة للصلاة في المسجد - مستحبا شرعا؛ لأمر الله تعالى عباده بأخذ الزينة عند الذهاب للصلاة، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/31.
فالحكم يرجع إلى اختلاف عادات الناس وطريقة لباسهم؛ فإذا كان أهل بلد أو أهل زمان يعدون تغطية الرأس للرجال زينة صار المستحب فعل ذلك، وإلا بقي على حكم الإباحة الأصلية، فليس فيه سنة خاصة عن النبي صلى الله عليه وسلم يترتب عليها أجر خاص.
وأما لبس النبي صلى الله عليه وسلم العمامة وحمله العصا فهو فعل عادي وقع على عادة العرب ذلك الزمن، وليس فعلا تشريعيا يدل على الاستحباب ولا يتأسى به الناس.
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه "الموافقات" (2/ 489): "العوائد المستمرة ضربان: أحدهما: العوائد الشرعية التي أقرها الدليل الشرعي أو نفاها...، والضرب الثاني: هي العوائد الجارية بين الخلق بما ليس في نفيه ولا إثباته دليل شرعي...ومنها: ما يكون متبدلا في العادة من حسن إلى قبح، وبالعكس، مثل كشف الرأس، فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع، فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد المشرقية، وغير قبيح في البلاد المغربية، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك، فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة، وعند أهل المغرب غير قادح".
وقد ذكر بعض الفقهاء استحباب ستر الرأس في الصلاة مطلقا، كما جاء في "حاشية إعانة الطالبين" (1/ 226) من كتب الشافعية: "كره كشف رأس؛ لأن السنة التجمل في صلاته بتغطية رأسه وبدنه".
ولكن ما ذكرناه أولا عن الشاطبي رحمه الله أوفق وأنسب لتغير الزمان والمكان. والله تعالى أعلم.