السؤال:
وقَّعتُ لشخص ستة (شيكات) كل (شيك) بقيمة ألف دينار مقابل بضاعة، ولكنه تحايل عليَّ ولم يرسل البضاعة، فتعهَّد أحد الأشخاص المقربين منه أن يُحضر (الشيكات) مقابل مئتي دينار، واشترطتُ عليه توقيع شيك لي بستة آلاف دينار إن لم يُحضر (الشيكات) ولم يرجع المئتي دينار. ما حكم ما قمتُ به؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
دَفْعُ مبلغ مقابل تحصيل (الشيكات) من أحدهم يُكيَّف في الفقه الإسلامي على أنه عقد (جعالة)، وفي عقد (الجعالة) لا يستحق العامل المبلغ (الجعل) إلا بعد تمام العمل، بل نص المالكية والشافعية على أن العامل إن اشترط على الجاعل تعجيل دفع الأجرة (الجعل) قبل إنجاز المتفق عليه فسد العقد.
وقد علَّل ذلك المالكية بقولهم: "لدوران (الجعل) بين الثمنية -إن وجد العبد الآبق مثلاً- والسَّلفية -أي الدَّيْن- بأن لم يجده" كما في "شرح مختصر خليل" للخرشي، قالوا: "والتردد بينهما من أبواب الربا؛ لأنه سلف جر نفعًا احتمالاً" كما في "حاشية الصاوي على الشرح الصغير".
ولكن يجوز أن يتطوع له بدفع المبلغ من غير شرط من العامل، ومع ذلك لا يحل عند الشافعية للعامل التصرف في ذلك المبلغ حتى يتم إنجاز المطلوب، كما يقول الإمام الرملي رحمه الله: "لو شرط تعجيل (الجعل) فسد العقد واستحق أجرة المثل، فإن سلمه بلا شرط امتنع تصرفه فيه فيما يظهر، ويفرق بينه وبين الإجارة بأنه ثَمَّ ملكه بالعقد، وهنا لا يملكه إلا بالعمل" يُنظر: "نهاية المحتاج".
أما المالكية فأجازوا له التصرف بالمال إذا دفع له على سبيل التطوع من قبل الجاعل، وقالوا: "المعتمد أن (الجعل) لا يضر النقد فيه تطوعًا".
لذلك ننصحك بتأخير دفع المبلغ المتفق عليه (المئتي دينار) حتى إنجاز العمل، أو يكون ذلك منك على سبيل التطوع، وليس على سبيل الشرط من العامل الذي وعدك بإحضار (الشيكات).
وأما كتابة (شيك) بقيمة (الشيكات) التي سيسترجعها لك، فالتكييف الشرعي لاتفاقك مع العامل على إحضار (الشيكات) مقابل مبلغ محدد أنه عقد (جعالة) بجعل معلوم، والمجاعَل مؤتمن على المعقود عليه، والأصل أنه لا يجوز أن يشترط عليه رهن أو كفالة من خلال (الشيكات البنكية)، وقد جاء في "المعايير الشرعية" (2/2/1) (ص/48): "لا يجوز اشتراط الكفالة أو الرهن في عقود الأمانة؛ مثل عقد الوكالة أو الإيداع؛ لمنافاتها لمقتضاها، ما لم يكن اشتراطهما مقتصرًا على حالة التعدي أو التقصير أو المخالفة، وبخاصة عقود المشاركات والمضاربة".
وبناء على ما سبق فإنْ أخذتَ الشيكات من العامل في عقد (الجعالة) المسؤول عنه مقيدة -قانونًا واتفاقًا بينكما- بحال خيانة العامل وتعدِّيه على (الشيكات) الأولى التي يعمل على تحصيلها، أو في حالة عدم إرجاعه المئتي دينار التي هي أجرة (الجعالة)؛ فلا حرج عليك، وليكن هذا الشرط واضحًا ومدونًا في أوراق يمكن الاعتراف بها لدى الجهات القضائية. فإن استطاع استرجاع (الشيكات) ولم يقم بتسليمها إليك؛ جاز لك مطالبته بقيمة الشيك الذي لديك. إما إن لم يستطع استرجاع الشيكات، ولم يُرجع لك (الجعل)؛ فليس لك أن تُطالبه بأكثر مما دفعته له (المئتي دينار). والله أعلم.