السؤال:
هل يجوز العمل في رسم الكاريكاتير بحيث تكون الرسومات تُعبِّر عن قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
لا ينبغي إطلاق الحكم في رسم الكاريكاتير بالوصف العام، بل لا بد من التفصيل في طريقة الرسم وغايته، وبيان الضوابط التي يذكرها الفقهاء في هذا الباب، لذلك نقول:
أولاً: الغاية من الرسم لا بد أن تكون هادفة، تسعى لتبليغ فكرة محددة نافعة، تؤثر في وعي القارئ نحو بعض الإيجابيات أو السلبيات، مع اجتناب السخرية من شخص معين، وخاصة أهل الخير والصلاح، واجتناب كل ما يخرج هذا الرسم عن الغايات النافعة. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) الحجرات/11.
ثانيًا: لا حرج في رسم غير ذوات الأرواح من الجمادات كلها، واستعمالها في تبليغ الفكرة التي يقصدها الرسام.
ثالثًا: يجوز رسم ذوات الأرواح إذا رسمت فاقدة الرأس، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُصَيَّرْ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ) رواه الترمذي وقال حديث حسن. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: (الصُّورَةُ الرَّأْسُ؛ فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَلَيْسَ بِصُورَةٍ) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 441).
رابعًا: وقاس عليه العلماء رسم ذوات الأرواح التي فقدت أي جزء من بدنها لا تعيش بدونه، كالجزء السفلي من البدن.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "كفقدِ الرأس فَقْدُ ما لا حياة بدونه، نعم يظهر أنه لا يضر فقد الأعضاء الباطنة كالكبد وغيره؛ لأن الملحظ المحاكاة وهي حاصلة بدون ذلك" انتهى من "تحفة المحتاج" (7/ 434).
ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله: "أو صوَّر رأسًا بلا بدن فلا كراهة، لأن ذلك لم يدخل في النهي" انتهى من "كشاف القناع" (5/ 171).
خامسًا: وقالوا أيضًا: يجوز رسم ذوات الأرواح إذا مُحيت عنها تعابير الوجه، قياسًا على الحديث السابق، كما جاء في كتب الحنفية "لو محي وجه الصورة فهو كقطع الرأس" يعني تستثنى من الكراهة، ينظر "البحر الرائق" (2/ 31).
سادسًا: كذلك أجاز كثير من الفقهاء رسم ذوات الأرواح التي ليس لها نظير في الخلق، كإنسان له أجنحة، أو شخصيات تختلط فيها هيئة الإنسان بالحيوان، ونحو ذلك من الشخصيات الخيالية التي لا توجد على أرض الواقع، ينظر "الحاوي الكبير" للماوردي (9/ 565).
فإذا التزم الرسام بهذه الضوابط فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى. والله أعلم.