الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الحجز للسفر بالطائرة هو من باب إجارة الذمة، لأن المنفعة المعقود عليها ( وهي حمله إلى بلد معين ) متعلقة بذمة المؤجر، وقد سميت " إجارة الذمة " نظراً لتعلق المنفعة المعقود عليها بذمة المؤجر لا بعين محددة لذاتها، ولذا يجب أن تكون المنفعة منضبطة بأوصاف تميزها عن غيرها.
وقد ذهب الفقهاء إلى جواز الإجارة في الذمة، غير أن القائلين بجواز إجارة الذمة اختلفوا في اشتراط تسليم الأجرة في مجلس العقد، وذلك على أقوال، فذهبوا إلى قولين:
القول الأول مذهب الشافعية: قالوا: يشترط في صحة إجارة الذمة قبض المؤجر الأجرة في مجلس العقد، فإن تفرقا قبل القبض بطلت الإجارة؛ لأن إجارة الذمة سَلَمٌ في المنافع؛ فكانت كالسلم في الأعيان في الحكم. انظر: " مغنى المحتاج " للشربيني (2/ 451-452)، " تحفة المحتاج " لابن حجر الهيتمي (6/ 125) في شرح قول المنهاج: " ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في المجلس ".
القول الثاني مذهب الحنفية ومن وافقهم: ذهبوا إلى جواز تأخير الأجرة في أنواع الإجارات، كما ذهب الحنابلة أيضا إلى جواز تأجيل الأجرة إذا لم تجر إجارة الذمة بلفظ السلم أو السلف.
يقول ابن عابدين رحمه الله: " الأجر لا يملك بالعقد؛ لأنه وقع على المنفعة، وهي تحدث شيئا فشيئا، وشأن البدل أن يكون مقابلا للمبدل، وحيث لا يمكن استيفاؤها حالا لا يلزم بدلها حالا، إلا إذا شرطه ولو حكما، بأن عجله لأنه صار ملتزما له بنفسه وأبطل المساواة التي اقتضاها العقد " انتهى. " رد المحتار " (6/10)، وانظر: " فتح القدير " (9/ 74)، " كشاف القناع " للبهوتي (4/ 40).
والذي نختاره في هذه المسألة هو القول بعدم اشتراط تعجيل الأجرة كما قرر الحنفية ومن وافقهم، وهو وجه لبعض فقهاء الشافعية نقله العمراني في " البيان " (7/339)، وذلك تيسيراً على الناس، وتخفيفاً على العباد، ورفعا للحرج عنهم فيما يحتاجون إليه من صنوف التعامل المالي، وتأسيا بقول القاضي أبي يوسف رحمه الله: " ما كان أرفق بالناس فالقولُ به أولى؛ لأن الحرج مرفوع ".
وعليه فلا حرج إن شاء الله في شراء تذاكر السفر بالتقسيط لمن لا يملك ثمنها نقداً، وكانت غاية السفر مباحة كالدراسة والعمل ونحوه. والله أعلم.