الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
اتفق العلماء على استحباب الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الأذان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتُمُ المؤذِّنَ فقولوا مثلَ ما يقولُ ثمَّ صلُّوا عليَّ، فإنَّهُ مَن صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللَّهُ عليه بِها عشْرًا) رواه مسلم، والحديث عام يشمل بعمومه المؤذن والسامع.
جاء في [مغني المحتاج 1/ 219]: "ولكل أي المؤذن والسامع أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه"، وجاء في [المجموع 3/ 117]: "يستحب للمؤذن أن يقول بعد فراغ أذانه هذه الأذكار المذكورة من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة".
وجاء في [شرح منتهى الإرادات 1/ 130] من كتب الحنابلة: "ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ، ويقول: اللهم رب هذه الدعوة".
غير أن الكلام اشتهر في هذه المسألة في جانب "جهر المؤذن" بهذه الصلاة على السماعات الخارجية عقب الأذان، سواء كان جهراً بصوت مرتفع أم منخفض. الأمر الذي اعتاده المؤذنون في العصور المتأخرة في كثير من بلاد المسلمين.
فذهب جماهير الفقهاء المتأخرين إلى جواز "الجهر"، أو استحبابه، حيث لم يروا محذوراً في ذلك، ولم يجدوا فيه مناقضة للمقصد الشرعي في هذا الباب، خاصة مع الفوائد المرجوة من الجهر، كمثل تذكير الناس بهذه السنة، وإعلانها على الملأ.
ولذلك جاء في [حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 220] من كتب المالكية: "وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان فبدعة حسنة".
وجاء في [حاشية ابن عابدين الحنفي "رد المحتار" 1/ 261]: "والصواب من الأقوال أنها بدعة حسنة"،
ويقول الإمام السخاوي رحمه الله: "قد أحدث المؤذنون الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الأذان للفرائض الخمس، إلا الصبح والجمعة، فإنهم يقدمون ذلك فيها على الأذان، وإلا المغرب فإنهم لا يفعلونه أصلاً لضيق وقتها، وكان ابتداءً حدوث ذلك من أيام السلطان الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب وأمرِه.
وأما قبل ذلك، فإنه لما قتل الحاكم ابن العزيز، أمرت أخته ست الملك أن يسلم على ولده الظاهر، فيسلم عليه بما صورته: السلام على الإمام الظاهر. ثم استمر السلام على الخلفاء بعده خلفاً بعد سلف، إلى أن أبطله الصلاح المذكور، جوزي خيراً.
وقد اختلف في ذلك، هل هو مستحب أو مكروه أو بدعة أو مشروع. واستدل للأول بقوله تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ)، ومعلوم أن الصلاة والسلام من أجل القرب، لا سيما وقد تواردت الأخبار على الحث على ذلك، مع ما جاء في فضل الدعاء عقب الأذان، والثلث الأخير من الليل وقرب الفجر. والصواب أنه بدعة حسنة، يؤجر فاعله بحسن نيته" [القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع]
ولكن يُفضل للمؤذن أن يفصل بين ألفاظ الأذان، وبين الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسكتة خفيفة؛ ليتضح بها انتهاء الأذان، وحتى لا يظن أحد من المسلمين أنها جزء من الأذان، وهذا هو المعمول به في زماننا.
وفي جميع الأحوال، لا يجوز تحويل هذه المسألة الفرعية إلى سبب للشقاق والنزاع في مساجد المسلمين، فالأصل احترام العمل الذي تجري عليه وزارة الأوقاف في هذا الشأن، وترك الإنكار في مسائل الخلاف. والله تعالى أعلم