الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
شقيقة زوجتك ليست من محارمك، بل هي أجنبية عنك، وسكنها في بيت أختها ينطوي على عدة محاذير ينبغي التنبه لها، فالواجب الشرعي يقتضي غض البصر، وعدم الاختلاط، وعدم الخلوة، وعدم التبرج، وعدم الخضوع بالقول، فإن لم يكن من الممكن تجنب هذه المحاذير حرمت إقامتها في منزلك، وحرم عليك الاستمرار في الاختلاط بها على النحو المحذور، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذه الأحوال أنها من مصائد الشيطان، والله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا ) رواه الإمام أحمد في " المسند " (1/18)، قال الحافظ ابن حجر: " إسناده صحيح " انتهى. " هداية الرواة " (5/388)
وأما عمل شقيقة زوجتك في أحد البنوك الربوية: فالنصيحة تقتضي منا تذكيرها بأن الربا من كبائر الذنوب المتفق على تحريمها، أعلن الله الحرب على المجاهرين به، ووعدهم بمحق المال والخسران في الدنيا والآخرة.
يقول الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) البقرة/275-276.
ثم قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278-279.
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من أعان إعانة مباشرة على هذا الذنب العظيم.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم (1598)
قال الإمام النووي رحمه الله:" فيه تحريم الإعانة على الباطل " انتهى . "شرح مسلم" (11/26)
فإذا كان عملها في البنك فيه إعانة مباشرة على الربا فهي داخلة في الإثم واللعن، وعليها أن تبحث عن عمل آخر مباح، وكذلك إذا كان في العمل إعانة غير مباشرة فهو باق في دائرة الذم والكراهة، غير أنه قد لا ينزل إلى حد التحريم.
وأما حكم الانتفاع بمالها وقبول هداياها: فالذي نراه - والله أعلم - أن من أراد الورع اجتنب ذلك اتقاء للشبهات، وإن كان الحكم الشرعي هو الجواز والإباحة، فقد نص الفقهاء على جواز الانتفاع بمن اختلط ماله الحلال بالحرام، ولو كان الحرام هو الغالب، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من طعام اليهود، وقبل دعوة المرأة اليهودية التي وضعت له السم في الشاة، وكان يبايعهم ويشتري منهم، ومعلوم أن أموالهم مختلطة بالربا الحرام، فقد وصفهم الله تعالى بذلك في القرآن الكريم فقال: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) المائدة/42.
والبنوك يختلط فيها الحلال بالحرام، وكثير من خدماتها هي في دائرة الحلال: كالحوالات، وتصريف العملات، وأجور الوكالات، ونحو ذلك.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: " يسن للإنسان أن يتحرى في مؤنة نفسه وممونه ما أمكنه، فإن عجز ففي مؤنة نفسه، ولا تحرم معاملة مَن أكثر ماله حرام، ولا الأكل منها، كما صححه في المجموع، وأنكر قول الغزالي بالحرمة، مع أنه تبعه في شرح مسلم " انتهى. " تحفة المحتاج " (9/389)
وفي متن " المهذب " للشيرازي: " ولا يجوز مبايعة من يعلم أن جميع ماله حرام , لما روى أبو مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن حلوان الكاهن ومهر البغي، وعن الزهري في امرأة زنت بمال عظيم قال : لا يصلح لمولاها أكله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي.
فإن كان معه حلال وحرام كره مبايعته والأخذ منه، لما روى النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبين ذلك أمور مشتبهات) وإن بايعه وأخذ منه جاز، لأن الظاهر مما في يده أنه له، فلا يحرم الأخذ منه " انتهى. انظر: " المجموع " (9/417)
فالحاصل أنه لا حرج عليك وعلى أبنائك من الانتفاع بما تدفعه لكم شقيقة زوجتك، وتبقى نصيحتنا لكم ولها بالبحث عن منزل آخر تعيش فيه، كي لا يقع الاختلاط بينكم على الوجه المحرم. والله تعالى أعلم.