البدعة في اللغة: هي كل أمر جديد لم يكن موجوداً من قبل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي، ولا يجوز أن نُجمِل الحديث على المعنى اللغوي للبدعة؛ لأن الإسلام يحثنا على التجديد في أمور حياتنا مما يعيننا على جهاد الكفار، واستصلاح الأرض، والإحسان إلى عباد الله، وكل هذا أصبح محتاجاً إلى وسائل جديدة، فوجب حمل الحديث على معنى خاص، وهو الزيادة في الدين، وأحكام الدين خمسة: الواجب، والمندوب، والحرام، والمكروه، والمباح، فمن زاد في الفرائض فقد ابتدع؛ لأن الفرض ما أمر به الشرع أمرًا جازمًا، ومن زاد في المحرمات من غير دليل فقد ابتدع؛ لأن الحرام ما نهى عنه المشرع نهياً جازماً، ومن زاد في المكروهات فقد ابتدع؛ لأن المكروه ما نهى عنه المشرع نهياً غير جازم، ومن زاد في المندوبات من غير دليل فقد ابتدع، لأن المندوب ما أمر به الشرع أمراً غير جازم.
فمن وعد الناس بثواب على فعل بغير إذن من الله فقد افتات على الله وابتدع، ومن أوعد الناس بعقوبة على فعل بغير إذن من الله فقد افتات على الله وابتدع، وترتيب الثواب أو العقاب على الأفعال هو المقصود بالأمر الشرعي والنهي الشرعي، وهذا لا يكون إلا لله ويُستدَل على أمره تعالى بالأدلة الشرعية.
أما المباحات فأمرها واسع؛ لأنها ما لم يأمر به المشرِّع أمراً يُثاب على امتثاله، ولم ينْهَ عنه نهياً يُعاقب على مخالفته، والمراد بالمشرِّع هو الله عز وجل، سواء عرفنا حكمه من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو بالاجتهاد؛ لأنه لا خلاف بين المسلمين في أن الذي يشرِّع الأحكام هو الله عز وجل، وإن اختلفت الطرق إلى معرفة حكمه، وكل تشريع يخالف تشريع الله فهو بدعة وضلالة في النار.
نخلص من هذا إلى أن البدعة المقصودة بالحديث والمذمومة شرعاً ما كان زيادة في الدين ومخالفة لأمر الله ونهيه، أما استحداث الوسائل التي تُعين على أمر الدين فليست من باب البدعة، وإن كانت تسمى لغة بدعة، فاستخدام المكبر لرفع الصوت بالأذان ليس بدعة؛ لأن الذي يستخدمه يريد إبلاغ صوت المؤذن إلى عدد أكبر من المسلمين وهو لا يقول إن استخدامه فرض أو سنة، ولا تركه حرام أو مكروه، بل وسيلة من شاء استخدمها ومن شاء تركها، لكن لا بدّ من إبلاغ صوت المؤذن إلى المسلمين ولو بتكثير عدد المؤذنين، ومثل هذا يقال في بناء المآذن، واستخدام الوسائل الحديثة في بناء المسجد، والأسلحة الحديثة في الجهاد، والورق الحديث في طباعة الكتب الإسلامية، المسبحة لضبط عدد الأوراد، والساعة لضبط أوقات الصلاة، فهذه كلها وسائل أُريد بها الخير فصارت من باب الخير، وهذا الذي دعا بعض العلماء إلى أن يقسم البدعة إلى حسنة وسيئة، بمعنى أن الأمر المستجد إذا أُريد به الخير مما لا يعارض الشرع فهو بدعة حسنة؛ وإن أريد بها الشر فهي بدعة سيئة؛ لأن ما خالف الشرع ليس فيه خير وإن بدا غير ذلك.
وقد التبس على بعض الناس المعنى اللغوي بالمعنى الشرعي للبدعة فوقعوا في أمور مضحكة فحرّم بعضهم استخدام الكهرباء في المساجد، والمكبرات للأذان، والملاعق للطعام، وهذا جهل بالدين وصدّ عن سبيل الله، وتشويه للإسلام، سببه عدم العلم وقلة البصيرة، وعدم التفريق بين الوسائل والمقاصد.
فتكون خلاصة القول: أن البدعة بالمعنى الشرعيّ (أي: الزيادة في الدين ومصادمة أحكام الشرع كلها ضلالة وليس فيها حسنة). والبدعة بالمعنى اللغوي (أي: الوسائل والآلات والمخترعات والأشياء التي لم تكن من قبل) فيها الحسن وهو ما أريد به الخير مما يوافق مقاصد الشريعة وغاياتها، ومنها السيئة وهي ما خالفت الشريعة وصادمت مقاصدها. هذا ما يبدو لي في الموضوع، والله أعلم بالصواب. ومن راجع كتب أهل العلم لم يخف عليه ذلك.
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى العقيدة / فتوى رقم/17)