خلق الله عز وجل الإنسانَ وجعله خليفته في الأرض، وارتضى له مقام العبودية، وأكرِمْ به من مقام، وحتى يكتمل هذا المقام فرض سبحانه عليه العبادات، وقد اقتضت حكمته عز وجل أن تكون هذه العبادات متنوعة: فمنها القلبية، ومنها الجسدية، ومنها المالية..
وكان مما افترضه الله تعالى الصومَ، وهذه العبادة العظيمة قد تميزت عن باقي العبادات بمميزات كثيرة، وأُجْمِلُ بعض هذه الميزات في النواحي الآتية:
أولاً:رفع الله عز وجل منزلة الصوم فنسبه اليه سبحانه. فقد روى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل:(كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به). وما كانت هذة الميزة إلا للصوم، مع الإجلال لبقية العبادات، ولهذا كان الصائم كريم النفس، عالي الهمة، قوي العزيمة في صومه؛ لأنه يعلم أن هذا الصوم لله تعالى، فيتحمل كل مشقة وكل أذى؛ لإكمال صومه على الوجه الذي يرتضيه عز وجل.
ثانياً:من حيث الأجر: جعل الله عز وجل للصوم أجراً وحساباً مختلفاً عن بقية العبادات؛ فكما خصَّ الله عز وجل الصوم ونسبه لنفسه، خصه كذلك بالأجر العظيم، فقال سبحانه -في الحديث القدسي-: (وأنا أجزي به). والجزاء يكون على قدر المجازي، وهو الله عز وجل. والصوم نصف الصبر كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره، وقال عز وجل:(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)الزمر/10. فيوفى الصائم أجره بغير حساب، وكما قال الإمام الغزالي -في "الإحياء"- عن الصوم:"فقد جاوز ثوابه قانون التقدير والحساب". وقد خص اللهُ سبحانه الصائمَ بباب من أبواب الجنة، وهو باب الريان.
ثالثاً:الصوم عبادة لا يطَّلع عليها إلا الله تعالى؛ فهي أبعد ما تكون عن الرياء والنفاق، وكما اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الصيام له عز وجل؛ اقتضت حكمته أن يكون الصائم نفسُهُ مع الله عز وجل، مرتبطاً به في عبادة لا يطَّلع عليها أحد. وقد كرَّم الله الصوم فأبعده عن كل ما يخل به من رياء ونفاق وسمعه.. بجعله عبادة خفية عن الناس لا يشاهدونها، ولا يلمسون لها أثراً.
رابعاً:من حيث الأحكام الشرعية: اختلف الصوم عن بقية العبادات في بعض الأحكام الشرعية، فالنية في الصوم يجب أن تتراخى عن الفعل، بمعنى أن تسبق النيةُ العبادةَ بزمن -ولو يسيراً-، أما في بقية العبادات فيجب أن تقترن النية بالفعل، ولا تصح إن سبقت النيةُ العمل.
خامساً:على الرغم من المكانة العالية للصوم وأجره العظيم، إلا أنه عبادة تَرْكٍ لا فعل، وهذا يعطي الصوم ميزة إضافية وهي: الجمع بين الصوم وبين عبادة أخرى؛ فالصائم يصلي، والصائم يقرأ القرآن.. فيكون بذلك قد أدى أكثر من عبادة في وقت واحد، وهذا كله خير للصائم، ورفع لأجره ودرجته.
نسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يبارك لنا في رمضان، ويعيننا على الازدياد من الأجر والثواب فيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.