مقالات

نصائح لاغتنام الوقت في رمضان

الكاتب : المفتي هاني خليل عابد

أضيف بتاريخ : 15-08-2010

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي دائرة الإفتاء العام


Article

 

 

إنّ الناظر في آيات الصيام في القرآن الكريم، يقف على إشاراتٍ وردت فيها لموضوع الزمن ومفرداته؛ وذلك من أجل اغتنام الوقت في طاعة الله سبحانه، ولفت الشعور الواعي عند المسلمين إلى أهمية اغتنام شهر رمضان، وأيامه، ولياليه، وساعاته.

ومن تلك الإشارات: قول الحقِّ سبحانه:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون, أياماً معدوداتٍ فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيامٍ أخر)البقرة/183-184. أشارت الآية الكريمة إلى قضية الأيام المعدودات، وهذا لَفْتُ نظرٍ للمسلمين إلى الحسبة الدقيقة لهذه الأيام، وهذه الحسبة المقصود منها اغتنام هذه الأيام فيما يعود على الإنسان في تحقيق سعادته في الدنيا والآخرة.

وقال الحقُّ تبارك وتعالى:(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للنّاس وببناتٍ من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه)البقرة/185. وهنا تأتي مفردة من مفردات الزمن، وهي الشهر؛ ممّا يلفت النظر إلى بركة شهر رمضان، والوعي بأنّه شهرٌ مباركٌ، شهد أول نزول الخير، وهو نزول القرآن الكريم الذي أحيا الأمم ببلاغته وتشريعاته.

إضافةً إلى ما تقدم، فإنَّ الإسلام دعانا في مواطن كثيرة إلى استثمار الوقت؛ لأن الزمن الذي ينقضي لا يعود.

 

                        دقّات قلب المرء قائلة له           إنَّ الحياة دقائقٌ وثوان

 

والشواهد على ذلك كثيرة منها:

أولاً:أنّ الله عزّ وجل أقسم بالعصر؛ أي الزمن. فقال سبحانه: (والعصر إن الإنسان لفي خسرٍ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)سورة العصر. جاء في تفسير ابن كثير: "العصر: الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر" تفسير ابن كثير 4/548.

ثانياً:جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)رواه الحاكم في "المستدرك".

ثالثاً: أرشد الإسلام إلى اعتبار الوقت نعمةً ينبغي علينا عدم إضاعتها. قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري.

رابعاً:وقت رمضان كنز ثمينٌ؛ فهو من الأزمنة المباركة التي يحرص العقلاء على اغتنامها. قال صلى الله عليه وسلم: (إن لربكم عز وجل في أيام دهركم نفحاتٌ فتعرضوا لها؛ لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً)رواه الطبراني في "المعجم الكبير". ولا ريب في أن أوقات رمضان من النفحات المباركة، التي على المسلمين أن يغتنموها فيما يحب ويرضى رب العالمين.

وحتى ينتفع المسلمون من الوقت في رمضان؛ فإنني أقترح على إخواني الصائمين ما يلي:

أولاً:ضرورة إدارة الوقت في رمضان، واستثماره في المفيد، وذلك من خلال وضع خطة بالتشاور مع الأهل حول تنظيم أوقاتهم خلال رمضان. يقول علماء إدارة الوقت: إن جدوى أهمية الوقت واستثماره لا يأتي من مجرد الإيمان به فقط، ما لم يكن هناك رؤية واضحة، وتصميم على التغلب على المعوّقات. يقول علي بن أبي طالب: "إنما أنت أيام، فكل يومٍ يمضي عليك يمضي بعضك" أوقات الدعاة المسروقة, محمد أحمد الجواد، ص23.

ثانياً:عدم الإكثار من النوم في النهار؛ فإن كان لا بدّ فليكن ساعة من نهارٍ لاستجماع القوى، أمّا النّوم المفرط فإنه يتنافى مع روحانية الصيام. يقول أهل العلم بأن الحقَّ تبارك وتعالى خصَّ النهار بالصوم؛ لأن الأكل فيه معتادٌ، والنوم في الليل معتاد، فلو صام في الليل كان الصوم بداعي الطبع لا لتعظيم الشّرع (محاسن الإسلام، محمد بن عبد الرحمن البخاري، ص21). فالذين يطيلون النَّوم في النهار يُفقدون الصوم معناه والحكمة منه، وهو الجوع والشعور مع الفقراء وصفاء النفس.

ثالثاً:استثمار أوقات الذهاب إلى العمل أو الدراسة -عند ركوب وسائل النقل- في القراءة، إمّا قراءة القرآن العظيم -فرمضان شهر القرآن- أو قراءة كتب العلم النافع، أما السائق فربما استعاض عن القراءة لتعذُّرها عليه حال قيادة السيارة باستماع أشرطة القرآن الكريم، ودروس العلم النافع.

رابعاً:إعطاء العمل حقه، وإظهار أنّ الصوم محركٌ للعمل، وتذكُّر أن رمضان كان شهر بدرٍ وفتح مكة، وشهر الإنجازات؛ فلا أقل من الإخلاص في العمل، والمواظبة على ساعات الدوام.

خامساً:الحرص على ختم القرآن العظيم في شهر رمضان، وقيام الليل وأداء صلاة التراويح جماعة.

سادساً:رمضان شهر تلبس فيه أمة الإسلام أبهى الحُلَل في التكافل؛ فلا بد للصّائم من وضع بصماتٍ اجتماعيةٍ في هذا الشهر، فيتواصل مع أرحامه ووالديه، ويعزز برّهم في هذا الشهر الفضيل؛ لأنّ البر مطلوبٌ على الدوام، لكن في أوقات رمضان لا بد أن يكون هذا التراحم بين طبقات المجتمع أكثر وضوحاً وعمقاً في النفوس.

سابعاً:الحرص على سماع دروس أهل العلم، وخاصةً تلك التي تُفَقِّه الإنسان في دينه، وتُعَرِّفه بما له وما عليه.

وخلاصة الأمر:لا بدّ للصائم الحاذق من وضع خطة قبل مجيء شهر رمضان تتناسب مع ظروفه، يحرص فيها على استثمار أوقات رمضان، وتقوم -كما يقول أحد المفكرين- على استشعار أنَّ الوقت هو الحياة، والعمر الحقيقي للإنسان, وشهر رمضان من أحسن الأوقات في حياة المسلم، وهو من الفرص العظيمة التي قد لا تتكرر مرة أخرى في حياة الإنسان (دروس اقتصادية من رمضان, الدكتور أشرف محمد، ص123).

رقم المقال [ السابق | التالي ]

اقرأ للكاتب



اقرأ أيضا

المقالات

   رمضان يعلمنا قوة الإرادة ومضاء العزيمة

   اقتصاديات شهر رمضان

   كي لا نندم على فوات رمضان

   في استقبال رمضان

   مدارسة القرآن مع جبريل

الفتاوى

   فحص كورونا لا يبطل الصوم

   الأصل بقاء الطهارة ما لم يُتيقن غير ذلك

   حكم الجمع بين قضاء رمضان والستة من شوال

   يجوز تعجيل الزكاة بشروط

   حكم الاستمناء في نهار رمضان للعلاج


التعليقات



تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا


Captcha