المولد النبوي الشريف نور أشرق في قلوب المؤمنين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد الأولين والآخرين، المبعوث رحمةً للعالمين، وقائد الغرّ المحجلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
في رحاب المولد النبوي الشريف، يعيش المؤمنون لحظات إيمانية، مع عبق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيها بقبس أشرق عليهم من مشكاة النبوة الطاهرة، وأنوار عمّت مشارق الأرض ومغاربها، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) الأحزاب: 45-46.
لقد كان مولد النبي صلى الله عليه وسلم مناسبةً استثنائية وحدثاً عظيماً، انتظرته البشرية بعد ليل مظلم خيّم عليها ردحاً طويلاً من الزمن شاعت فيه الجاهلية الجهلاء والضلالة العمياء، فجاء مولد الهادي البشير ليعيد للبشرية ميزانها، وللقلوب إيمانها، ويجلّي ظلام الليل الحالك، فإن الأمل بالفرج يكون بعد اشتداد الكربات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنِّي عندَ اللهِ مَكتوبٌ بخاتَمِ النَّبيِّينَ وإنَّ آدَمَ لِمُنْجَدِلٌ في طينتِه وسأُخبِرُكم بأوَّلِ ذلك: دعوةُ أبي إبراهيمَ وبِشارةُ عيسى ورؤيا أمِّي الَّتي رأَتْ حينَ وضَعَتْني أنَّه خرَج منها نورٌ أضاءَتْ لها منه قصورُ الشَّامِ).
تجلى مولد الهادي وعمّت بشائره البوادي والهضابا
وأسدت للبرية بنت وهب يداً بيضاء طوقت الرقابا
لقد وضعته وهّاجاً منيراً كما تلد السموات الشهابا
إن إحياء ذكرى هذه المناسبة المباركة يعبّر عن ارتباط المؤمنين بنبيهم صلى الله عليه وسلم، وأن تلك الأنوار التي أشرقت يوم ولادته، لا زالت تنير القلوب بأنوار التوحيد ومحبة الله عز وجل ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، والعقول بأنوار الهداية والرشاد والبصيرة، ومساجدنا بإقامة مجالس الذكر، وقد ظهرت آثار هذه المحبة سلوكاً عملياً أضاء مشاعل الأمل للأمة الإسلامية بأن لها نبياً عزيزاً كريماً فيها، ذكره حيٌّ لا يموت، وأنواره مشرقة لا تخفت، ورسالته راسخة لا تضعف، ودعوته قائمة لا تفتر.
إن ذكرى المولد النبوي الشريف هو استذكار لجوهر الإسلام الحقيقي، وهو إقامة شعار تكريم الإنسان ونشر الرحمة بينهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء ليصحح المفاهيم، وينشر العدالة بين الناس، وليبين لهم أن الإنسان كريم لا يجوز أن تنتهك حرمته، ولا أن تنقص كرامته، مهما كان دينه أو لونه أو عرقه، وهو ما بيّنه لنا الله سبحانه وتعالى في قوله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70]، بل هو آخر ما وصّى به النبي صلى الله عليه وسلم وذكرنا به قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى حين قال في حجة الوداع: (لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمَ، وآدمُ من ترابٍ).
وإحياء مناسبة المولد النبوي الشريف يكون بإحياء معاني الرحمة في القلوب، لأنها المقصود الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون رحمةً مهداة من الله عز وجل إلى الخلق كافة، فتشمل بذلك تربية البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم، يقول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنَّما أنا رحمةٌ مُهداةٌ).
فما أحوجنا اليوم في هذا الزمان إلى استذكار هذه المعاني العظيمة من مولد الهادي البشير، الذي دعانا إلى الخير في دنيانا وآخرتنا، وأوصانا بالتراحم فيما بيننا، لنبقى أمة تسود فيها الأخوة والمحبة، لتكون ذكراه صلى الله عليه وسلم مناسبةً تتجدد لنجدد المعاني السامية، ونذكر فيها بأخلاق النبوة، لنبقى كما وصفنا الله سبحانه وتعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110].
والحمد لله رب العالمين