رمضان مدرسة أخلاقية
الصوم ركن من أركان الإسلام الخمسة التي بيّنها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) متفق عليه.
فصوم رمضان فرض على كل مسلم بالغ عاقل قادر؛ لقول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وممّا لا ريب فيه أنّ لأداء هذا الركن العظيم حِكمًا وثمراتٍ تعود على العبد، ومن أهم تلك الثمرات: أن يتعلم المسلم الرقابة الذاتية على أعماله وتصرّفاته، فهو يمتنع في نهار رمضان عن الحلال الذي أبيح له في نهار أيام الشهور كلها من أطعمة وأشربة وغيرها من المتع والشهوات، أما في رمضان فيمسك عنها امتثالا لأمر الله تعالى مع قدرته على التخفي والأكل والشرب، لكنه لا يفعل، وهذا هو معنى التقوى المراد تحققه في الصيام، الخشية من الله في السرّ والعلن.
كما يتعلم الإنسان أن يبتعد عن المحرمات، حيث ضبط نفسه عن المباحات خلال النهار امتثالا لأمر الله، فهو يتعلم الابتعاد عن المحرّمات في كل السّنة لأنّ الآمر الناهي واحد هو الله تعالى.
كما يتعلم الإنسان كيف يرقى بنفسه عن الاستسلام لشهواته، حيث أمكنه ضبط نفسه عن الطعام والشراب، فيرتقي العبد كي لا يكون عبدا لشهواته، ليكون عبدا لله وحده سبحانه. وهنا يستطيع الإنسان أن يتخلص من بعض عاداته السيئة كالتدخين أو الإكثار من الطعام والشراب.
كما أنّ الصيام يعين الذاكر والقارئ للقرآن على مزيد من الخشوع والتفكر. وفي الصيام تذكير للعبد بنعم الله تعالى عليه من طعام وشراب، وتذكير للعبد بوجوب شكر هذه النعم، كما فيه تنبيه واضح على أهمية الوقت، فالإمساك بميعاد، والفطر بميعاد.
وينبغي الانتباه إلى أن الصوم لا يقتصر على ترك الطعام والشراب وشهوة الفرج، بل هو كفّ عن جميع المحرّمات والمنهيات، فهذا هو الصوم الحقيقي، وإلا فما معنى أن يمتنع الإنسان عن طعامه وشرابه، ثم يأكل أموال الناس بالباطل، بالغش أو الخديعة، أو الاحتكار! وما معنى الصوم إذ كفّ الإنسان عن الأكل والشرب لكنه لا يكف عن أكل لحوم الناس وأعراضهم! الصوم وحدة متكاملة من التربية الأخلاقية لا يصحّ تجزئتها، وإلا فلن يدرك الإنسان حقيقة الصيام، ويُفهم هذا من قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (مَن لم يدع قولَ الزور والعملَ به والجهلَ فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامَه وشرابه) رواه البخاري.
الصوم مدرسة أخلاقية تعلم الإنسان الانضباط والنظام والترتيب، وتعلمه أن الحياة ليست طعاما وشرابا، بل فيها ما هو أعظم من ذلك، فيها فعل الخير للمحتاجين، وصلة الأرحام، وقراءة القرآن، والصلاة في الليل والنهار، فيها الاجتماع مع الأحباب والجيران في المساجد والدّور، فيها الكرم والجود، فيها يتذوق الإنسان حلاوة والإيمان، ويتعرف على معنى الاتصال بالله سبحانه.