المسائل المشهورة في كفارة اليمين
تمهيد:
الكفارات (لغة): مأخوذة من الكفر، وهو تغطية الشيء تغطية تستهلكه([1])، وسميت كفارات لأنها تكفر الذنوب أي تسترها([2]).
والكفارات اصطلاحاً: فعل ما من شأنه أن يمحو الذنب: من عتق، وصدقة، وصيام، بشرائط مخصوصة([3]).
والكفارة صورة من صور الإحسان التي تمحو الذنوب، قال تعالى: }إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ{ [هود: 114]، فمن اقترف ذنبًا ثم كفّر عنه فإنه يكون قد أحسن بعد ذنب ويرتجى له مغفرة ذلك الذنب، ويرتجى له ستر الله يوم القيامة.
ومن حكم الكفارات أنها تعزز في الإنسان الشعور بالتوبة النصوح، وهي أيضا صورة من صور التكاتف والتراحم بين المسلمين.
والكفارة فيها طمأنينة لمن أذنب، فالذي يكفر عن ذنبه يستشعر أنه يأتي بأمر يمحو الله فيه الذنوب ويستر الله فيه الهفوات والزلات.
ولأن الكفارات نوع من أنواع العبادات لما فيها من صور الإحسان من عتق وإطعام ونفقة وصور العبادة البدنية كالصيام؛ فإنها تزيل من قلب العبد آثار المعصية عندما يستشعر قربه من الله، وأنه لا زال عبداً لله، ولا زال يتلقى التكاليف من مولاه ويمتثل لأمره تعالى، وأن الله يغفر ذنبه ويقبل توتبه ويقبل طاعته وعبادته.
حكم كفارة اليمين:
كفارة اليمين واجبة إذا حنث الحالف بيمينه([4]).
سبب كفارة اليمين:
كفارة اليمين لها سببان: اليمين والحنث في اليمين معًا([5])، والحنث في اليمين أن يخالف يمينه، قال ابن فارس: الحنث في اليمين، هو الخلف فيه([6]).
شروط وجوب الكفارة على الحالف:
تجب الكفارة على الحالف بشروط:
1. أن يكون الحالف بالغًا عاقلًا([7])، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ)([8])، فلو حلف الصبي دون سن البلوغ فلا تجب عليه الكفارة، وكذلك لو حلف المجنون.
2. أن يحلف مختارًا، فإن حلف مكرهًا فلا تجب عليه الكفارة([9]).
3. أن يكون القسم بذات الله، أو أحد أسمائه تعالى الخاصة به، أو صفة من صفاته تعالى([10]).
اليمين التي تجب فيها الكفارة:
تجب الكفارة في اليمين المنعقدة، وتعرف اليمين المنعقدة بأنها توثيق كلام غير ثابت المضمون بذكر أحد أسماء الله عز وجل، أو ذكر صفة من صفاته، بصياغة مخصوصة([11]).
وأما اليمين اللغو فلا كفارة فيها، وهي اليمين الدارجة على الألسن التي لا يراد فيها توثيق أو تأكيد أمر معين، مثل أن يقول: والله الشمس طالعة أو يقول: والله الشمس غابت، وقول الرجل لأخيه: لا والله، بلى والله من غير قصد اليمين([12])، كما أخبرت بذلك السيدة عائشة رضي الله عنها([13])، ودليل ذلك قوله تعالى: }لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ{ [البقرة:89].
وأما اليمين الغموس، فيجب على الحالف أن يستغفر الله من ذنبه إذا حلف وهو يعلم أنه كاذب، وسميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في النار([14])، ويجب أن يبادر إلى التوبة وإبراء ذمته من حقوق العباد إذا اقتطع منها شيئًا بيمينه أو تسبب بظلم لغيره من الناس، ويكفّر عنها بكفارة يمين احتياطاً؛ لأن الفقهاء اختلفوا في وجوب الكفارة في اليمين الغموس أو هل تنفع معها الكفارة أم لا، والأحوط أن يجمع بين التوبة من اليمين الغموس والكفارة.
تقديم الكفارة على الحنث في اليمين:
بناءً على أن كفارة اليمين لها سببان كما سبق بيانه؛ فإنه يجوز أن يكفر عن يمينه إذا تحقق أحد السببين ولا يشترط حصولهما معا، فيجوز أن يكفر عن يمينه قبل أن يحنث، ويجوز تعجيل الكفارة قبل الحنث إذا كانت بمال من كسوة أو إطعام أو عتق([15])، أما الصوم فلا يجوز قبل الحنث؛ لأنها عبادة تتعلق بالبدن لا حاجة به إلى تقديمها فلم يجز تقديمها على الوجوب كصوم رمضان([16])، ولأنه إنما يجوز التكفير به عند العجز عن جميع الخصال المالية، والعجز إنما يتحقق بعد الوجوب([17]).
الاستثناء في اليمين:
ومعنى الاستثناء في اليمين أن يعلق يمينه على مشيئة الله كأن يقول: والله لأحضرن غدًا إن شاء الله، فإن قصد بقوله إن شاء الله تعليق حضوره بمشيئة الله، فهذا لا تجب عليه كفارة يمين إن لم يحضر؛ لأن معنى كلامه والله لو شاء الله حضوري سأحضر، ولكن من قالها ولا يقصد الاستثناء كأن يكون متعودًا على قولها ولا يقصد الاستثناء، إنما يقولها من قبيل قوله تعالى: }وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا* إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ{ [الكهف 23 -24] فهذا تلزمه كفارة يمين إن حنث بيمينه([18]).
صفة كفارة اليمين:
كفارة اليمين تكون بإحدى الخصال المذكورة في قوله تعالى: }لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِىٓ أَيْمَٰنِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلْأَيْمَٰنَ ۖ فَكَفَّٰرَتُهُۥٓ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٍۢ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّٰرَةُ أَيْمَٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ{ [البقرة:89]، فيتبين من الآية الكريمة أن كفارة اليمين مخيرة ابتداءً مرتبة انتهاء([19])، بمعنى أنه مخير في البداية بين الإطعام أو الكسوة أو عتق رقبة، فإن عجز عن كل هذه الخصال صام ثلاثة أيام، فلا يصوم إلا إذا عجز عن الإتيان بأي واحدة من هذه الخصال، وهذا معنى أنها مرتبة انتهاءً.
والعاجز الذي ينتقل إلى الصيام هو الفقير أو المسكين الذين يجوز دفع الزكاة والكفارات إليهما([20]).
الحلف على فعل معصية ما أو ترك واجب:
من حلف أن يفعل معصية كأن يقول: والله لأسرقن من مال فلان، أو حلف على ترك واجب كأن يقول: والله لن أصل رحمي، أو قال: والله لن أكلم أمي، فهذا يكون عصى الله بيمينه، ويلزمه أن يحنث بيمينه ولا يمضيه، وتجب عليه كفارة يمين([21]).
المقدار الواجب من الطعام والكسوة في كفارة اليمين:
الواجب من الطعام: إطعام عشرة مساكين كل مسكين مد من غالب قوت البلد كالفطرة([22])، ويقدر بـ600 غرام بالموازين المعاصرة([23]).
والواجب في الكسوة: إعطاء كل مسكين من العشرة ما يسمى كسوة ومما يعتاد لبسه كقميص أو رداء([24]) أو سروال([25])، ولا يشترط أن يكون صالحًا للمدفوع إليه، فيجزئ أن يدفع للرجل ثوباً صغيراً، أو ثوب امرأة، ولا يشترط كونه جديدًا بل يجوز دفعه ملبوسًا لم تذهب قوته([26]).
الواجب إخراج الكفارة الواحدة من صنف واحد إما الإطعام أو الكسوة، ولا يجوز إطعام خمسة مثلًا وكسوة الخمسة الباقين([27]).
هل يشترط في الكفارة الواحدة إطعام عشرة أشخاص أو كسوتهم، أم يجزئ دفع الكفارة كاملة لأقل من عشرة؟
يجب إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، ولا يجزئ في الكفارة أن تعطى لأقل من عشرة، وهذا هو قول جمهور الفقهاء: مالك([28]) والشافعي([29]) وأحمد في الصحيح عنه([30]).
وأجاز الأوزاعي دفعها إلى واحد([31])، وعند الحنفية([32]) ورواية أخرى عند أحمد([33]) يجوز دفعها لمسكين واحد أو إلى عدد من المساكين أقل من عشرة بشرط أن لا تدفع إليهم دفعة واحدة، إنما يرددها على المسكين الواحد عشرة أيام، وعلى مسكينين خمسة أيام، يعطي كل واحد منهما طعام يومه وهكذا؛ حتى يكون أطعم عشرة مساكين دون أن يعطي أيًا منهم في اليوم أكثر من مقدار طعام مسكين واحد.
فإن وجد مشقة في ذلك، أو عجز عن إيجاد عشرة مساكين أو شق عليه إيصالها إليهم على عدة أيام، أو وجد أهل بيت شديدي الحاجة فله أن يدفعها إليهم أو إلى من تمكن من إيصال الكفارة إليهم بناءً على قول الإمام الأوزاعي، وهو القول الثاني عند الحنفية([34]).
إخراج قيمة الطعام أو الكسوة بدلًا عنهما:
المذهب لا يجوز إخراج قيمة الطعام أو الكسوة في كفارة اليمين، بل يجب إخراجها طعامًا أو كسوةً([35])، التزامًا بالنص: }فكفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ{ [البقرة:89].
وأجاز الحنفية دفع قيمة الطعام أو الكسوة في كفارة اليمين من النقود([36]).
هل يجوز دفع الكفارة إلى الأقارب؟
يجوز أن يعطي كفارة يمينه للفقراء والمساكين من أقاربه الذين لا تجب نفقتهم عليه كأخيه أو عمه أو خاله أو ابن عمه أو ابن خاله أو أي أحد من أقاربه الذين لا تجب نفقتهم عليه، وأما من تجب نفقتهم عليه من أقاربه كوالديه وزوجته وأولاده الصغار فلا يجوز أن يدفع الكفارة إليهم([37]).
وجوب إخراج الكفارة على الفور أم على التراخي؟
بمعنى هل يجب على الحالف إذا حنث في يمينه أن يكفر عن يمينه فورًا أم يمكن أن يكفر في أي وقت لاحق ولا تشترط الفورية؟ والجواب: كفارة اليمين تجب على التراخي وليس على الفور([38]).
هل تشترط النية عند دفع الكفارة؟
نعم تشترط النية عند دفع الكفارة للمساكين([39]).
هل يجب أخبار المساكين عند دفع الكفارة إليهم؟
لا يشترط أن يخبر المساكين أنها كفارة، وتكفي نيته لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)([40]).
هل يجوز دفع الكفارة عن الغير؟
دفع الكفارة عن الغير له عدة صور، نبينها فيما هو آت:
1. إذا أعطى من تلزمه الكفارة شخصًا مقدار الكفارة طعاماً أو كسوةً أو قيمة الكفارة نقدًا وطلب منه أن يدفع الكفارة لمن يستحقها، فهذه الصورة جائزة([41])؛ لأنه في هذه الصورة يكون وكله بدفع الكفارة.
2. يجوز أن يدفع الكفارة عن شخص آخر إن كان بإذنه، سواء كان المال ممن تلزمه الكفارة أو تبرع به الشخص الذي دفع الكفارة.
3. يجوز أن يطلب من أحد الأشخاص أن يدفع الكفارة عنه، فإذا دفعها عنه أجزأته سواء أكانت تبرعًا من الشخص دافع الكفارة أو أعطاه المكفر مقدار الكفارة لاحقاً([42]).
4. أن يكفر شخص عن شخص دون إذنه، فهذا لا يجوز ولا تسقط الكفارة عن الحانث([43]).
من مات وعليه كفارة يمين:
من مات وعليه كفارة يمين، وترك مالًا تخرج الكفارة من تركته قبل قسمتها على الورثة، ويخرج أقل الخصال الثلاثة قيمة([44]): العتق أو الإطعام أو الكسوة، وإنما يخرج أقل الخصال قيمة لأن التوسع في الكفارة يضر الورثة، والغاية تتحقق بأقل الخصال.
فإذا لم يترك الميت مالًا تخرج منه التركة يستحب لوارثه أن يكفر عنه([45]).
إذا عجز عن العتق وعجز عن الإطعام وعجز عن الكسوة وانتقل الى الصيام، فهل يجب عليه التتابع في الصيام أم يجوز أن يصومها متفرقة؟
لا يشترط التتابع في صيام الأيام الثلاثة([46])، ولو صامها متفرقة أجزأته.
هل يشترط تبييت النية من الليل في صيام الكفارة؟
نعم يجب تبييت نية الصيام لكل يوم من أيام الكفارة([47]).
هل يجوز الجمع بين صيام رمضان وصيام الكفارة؟
لا يجوز الجمع بين نية صيام رمضان وصيام الكفارة([48]).
إذا حلف أن لا يفعل شيئًا ما وفعله ناسيًا أو جاهلًا أو مكرهًا.
في هذه الحالات كلها لا يكون حانثًا بيمينه ولا تجب عليه الكفارة، ولا تنحل اليمين([49])، ومثال الناسي: كأن يحلف أن لا يأكل فاكهة معينة أو طعامًا معينًا أسبوعًا كاملًا مثلًا، فنسي وأكل قبل تمام الأسبوع، ومثال الجاهل: كأن يحلف أن لا يكلم زيداً، وكلمه وهو لا يعلم أنه زيد من ظلام أو غيره، فلا كفارة عليه ولا ينحل يمينه، ومثال المكره كأن يحلف أن لا يفعل أمرًا معينًا، وأكره بالقوة على فعله ولم يستطع المقاومة أو الامتناع، فهذا لا تجب عليه الكفارة ولا ينحل يمينه أيضا.
إذا حلف على غلبة ظنه وتبين خلاف ما حلف عليه، هل تجب عليه الكفارة؟
ومثال ذلك أن يسأله شخص ما عن زيد زميله في العمل ويقول: والله لم يحضر اليوم بناءً على أن مكتبه مغلق مثلًا أو لم يره في مكان العمل أو لم ير سيارته في موقف السيارات، ثم يتبين بعد ذلك أنه موجود، ففي هذه الحالة لا تجب الكفارة على الحالف؛ لأنه غلب على ظنه أن زيدًا لم يحضر اليوم للدوام، وغلبة الظن أجريت في الأحكام مجرى اليقين([50]).
إذا فعل شيئًا ما ثم نسي أنه فعله وحلف وقال: والله لم أفعل ذلك الشيء، هل تجب عليه كفارة؟
لا يجب عليه كفارة يمين؛ لأنه نسي أنه قد فعل ذلك الشيء أو قال ذلك الكلام، لقوله تعالى: }رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا{ [البقرة:286]، وهذا بخلاف اليمين الغموس؛ لأن الذي يحلف يمينًا غموسًا يكون عالمًا أنه يحلف كذبًا.
هل تتكرر الكفارة بتكرار اليمين؟
إذا حلف أكثر من مرة على شيء واحد وأراد التأكيد، فيلزمه كفارة واحدة إن حنث بيمينه سواء حلف عدة مرات في مجلس واحد أو كان ذلك في مجالس وأوقات مختلفة، وإذا حلف عدة أيمان على أشياء مختلفة فيلزم كفارة بكل يمين يحنث به([51]).
إذا حلف على غيره، فعلى من تجب الكفارة؟
إذا قال شخص لآخر: والله لتفعلن كذا، أو قال له: أقسم بالله أو أقسم عليك بالله لتفعلن كذا، فإن قصد بذلك يمين نفسه وأنه يريد تحقيق الأمر أو إلزامه به، فتجب كفارة الحنث باليمين على الحالف، أما إن أراد بقسمه التشفع عنده بالله، فليس عليه كفارة يمين إن لم يبره المحلوف عليه([52]).
هل تجب الكفارة في الحلف بغير الله؟
من حلف بغير الله كأن قال: بشرفي أو حياة أمي أو وحياة أبي، فهذا يكون آثمًا لأنه حلف بغير الله، ويجب عليه الاستغفار والتوبة إلى الله، ولا يعود لمثل هذه الأيمان، ولا تجب بهذه الأيمان كفارة.
من حلف في نفسه ولم يتلفظ باليمين هل تجب عليه كفارة يمين؟
إذا حلف من خلال حديث النفس ولم يتلفظ به فلا تجب عليه كفارة إن خالف يمينه([53])؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا، أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ)([54]).
هل يجوز دفع كفارة اليمين للمساجد؟
لا تدفع الكفارة للمساجد؛ لأن مصارف كفارة اليمين محددة في الشرع وهي كما بينتها الآية الكريمة: }فكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ{ [البقرة:89]، وهذا مجمع عليه عند أهل العلم([55]).
هل يجوز دفع كفارة اليمين للجان الزكاة والصدقات والجمعيات الخيرية؟
يجوز لمن تلزمه الكفارة أن يدفعها لشخص آخر يثق بأمانته أو يدفعها لصناديق ولجان الزكاة والصدقات أو لجمعية أو هيئة خيرية يثق بها، ويوكلهم بدفعها للفقراء والمساكين، لأن الكفارة عبادة مالية يجوز فيها التوكيل([56])، إذ الغاية هي دفع الكفارة وإيصالها للفقراء والمساكين، وهذا يمكن تحققه من خلال الوكيل.
هل يجوز خصم مقدار الكفارة من الدين إذا كان المدين فقيرًا أو مسكينًا؟
لا يجوز خصم مقدار الكفارة من دين على فقير أو مسكين؛ لأن الكفارة تحتاج إلى نية عند دفعها ولم يكن ينوي الكفارة عند دفع المال لفقير أو المسكين، إنما دفعه إليه على سبيل الدين، ولأنها عبادة مالية مثل الزكاة لا تصح إلا بالإقباض([57]).
هل يجوز إعطاء الكفارة على دفعات أم يجب دفعها كاملة في وقت واحد؟
لا يجب دفعها كلها في وقت واحد؛ فإن استطاع أن يبادر لدفعها مرة واحدة فهو أفضل، وإن لم يستطع وأخرجها على دفعات حسب مقدرته واستطاعته فلا مانع إن شاء الله، لأن الأمر المجرد عن القرائن ليس فيه دلالة على الفورية ولا على التراخي([58]).
إذا قال شخص: والله لا أفعل كذا، وقال آخر: وأنا مثلك، فعلى من تجب الكفارة إن فعلا ذلك الأمر؟
في هذه الحالة تلزم الكفارة الحالف الأول؛ لأن الثاني لم يأت بصيغة يمين، فلو قال أحدهم: والله لن أدخل بيت فلان، وقال الآخر: وأنا مثلك، فالكفارة تجب على الحالف الأول، وأما الآخر فليس عليه كفارة ولو دخل البيت([59]).
إذا حلف شخص على أن لا يفعل أمراً ما، وفعله عنه غيره، هل تجب عليه الكفارة؟
مثال ذلك أن يقول الرجل مخاطبا أهل بيته: والله لن أدخل هذا الجهاز بيتي، فيحضره شخص آخر للبيت؛ ففي هذه الحالة لا يحنث ولا تجب عليه الكفارة؛ لأنه حلف على فعل نفسه، ولم يخالف ما حلف عليه([60]).
هل تجب الكفارة بالشك؟
مثال ذلك أن يشك أنه حلف يمينًا على أمر ما، ففي هذه الحالة لا تجب؛ لأن الأصل عدم الحلف([61]).
والحمد لله رب العالمين
([1]) ابن منظور، لسان العرب 5 /145.
([2]) الهروي، تهذيب اللغة 10 /114.
([3]) الخن وآخرون، الفقه المنهجي 3 /113.
([4]) العمراني، البيان في مذهب الإمام الشافعي 10 /585.
([5]) الشربيني، مغني المحتاج 6 /191.
([6]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 2 /108.
([7]) الخن وآخرون، الفقه المنهجي 3 /12.
([8]) أبو داود، سنن أبي داود 4 /139 حديث رقم 4389.
([9]) النووي، روضة الطالبين 10 /282.
([10]) الخن وآخرون، الفقه المنهجي 3 /13.
([11]) مصطفى الخن وآخرون، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي 3 /9.
([12]) الماوردي، الحاوي الكبير 15 /289.
([13]) البخاري، صحيح البخاري 8 /135 حديث رقم 6663.
([14]) العمراني، البيان في مذهب الإمام الشافعي 10 /488.
([15]) الماوردي، الحاوي الكبير 15 /291.
([16]) الشيرازي، المهذب 3 /116.
([17]) الأنصاري، أسنى المطالب في شرح روض الطالب 4 /245.
([18]) الشافعي، الأم 7 /65.
([19]) الأنصاري، فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب 2 /245.
([20]) الشربيني، مغني المحتاج 6 /193.
([21]) النووي، روضة الطالبين 11 /20.
([22]) الشربيني، مغني المحتاج 6 /191.
([23]) الخن وآخرون، الفقه المنهجي 3 /18.
([24]) الدمياطي، إعانة الطالبين 4 /376.
([25]) الخن وآخرون، الفقه المنهجي 3 /18.
([26]) الدمياطي، إعانة الطالبين 4 /376.
([27]) النووي، روضة الطالبين 11/
([28]) الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 /132.
([29]) المزني، مختصر المزني 8 /399.
([30]) ابن قدامة، المغني 9 /544.
([31]) المرجع السابق 9 /544.
([32]) الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 5 /105.
([33]) ابن قدامة، المغني 9 /544.
([34]) المرغيناني، الهداية في شرح بداية المبتدي 2 /269.
([35]) الماوردي، الحاوي الكبير 15 /301.
([36]) السرخسي، المبسوط 2 /156.
([37]) الماوردي، الحاوي الكبير 15 /303.
([38]) العجيلي، حاشية الجمل على شرح المنهج 5 /296.
([39]) النووي، روضة الطالبين 8 /279.
([40]) البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم (1).
([41]) المزني، مختصر المزني 8 /399.
([42]) ابن حجر، تحفة المحتاج في شرح المنهاج 8 /195.
([43]) الماوردي، الحاوي الكبير، 15 /311.
([44]) الشربيني، مغني المحتاج 6 /192.
([45]) الجويني، نهاية المطلب في دراية المذهب 18 /322.
([46]) الأنصاري، فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب 2 /245.
([47]) الأنصاري، أسنى المطالب 3 /368.
([48]) النووي، روضة الطالبين 8 /308.
([49]) النووي، روضة الطالبين 11 /79.
([50]) العمراني، البيان في مذهب الإمام الشافعي 10 /553.
([51]) المنهاجي، جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود 2 /246.
([52]) الشربيني، مغني المحتاج 6 /186.
([53]) العمراني، البيان في مذهب الإمام الشافعي 10 /88.
([54]) مسلم، صحيح مسلم.
([55]) ابن القطان، الإقناع في مسائل الاجماع 1 /373.
([56]) الماوردي، الحاوي الكبير 6 /496.
([57]) النووي، المجموع شرح المهذب 6 /210.
([58]) هيتو، الخلاصة في أصول الفقه 52.
([59]) ابن حجر، تحفة المحتاج في شرح المنهاج 10 /11.
([60]) الزحيلي، المعتمد في الفقه الشافعي 2 /542.
([61]) النووي، روضة الطالبين 11 /78.