المال العام ملكٌ لجميع المواطنين، ينفقه على مصالحهم وفق ما يراه ولي الأمر، ولذا كان يسمى: "بيت مال المسلمين" وله إيرادات معينة في الفقه الإسلامي، ووجوه للصرف محددة أيضاً، والأخذ منه بغير حق من أشد المحرمات، لأنه نوع من أنواع الغلول، وقد قال الله تعالى:( وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) آل عمران/161. وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:( وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلاَّ لَقِىَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) متفق عليه.
وهذا واضح فيمن يأخذ شيئاً عينياً من أموال الدولة، ويشمل أيضا من استعمل أدوات الدولة وممتلكاتها لأغراضه الخاصة، كمن يستخدم السيارات الرسمية في غير ما يأذن به ولي الأمر؛ لأن الإنفاق من المال العام يجب أن يكون وفق ما يأذن به ولي الأمر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِى مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )
وإذا لاحظنا أن خزينة الدولة هي من مجموع الرسوم التي تؤخذ من أموال المواطنين للإنفاق على الصالح العام، وما تهبه بعض الدول لخزينة الدولة، أي لمجموع المواطنين، عرفنا أن الذي يأخذ من المال العام إنما يأخذ من مال كل المواطنين، وهذا أسوأ من الذي يأخذ من مال شخص معين، لأن مَن أخذ مال شخص معين إن أراد أن يتوب طلب المسامحة من ذلك الشخص، أو أدى إليه بدل ما أخذ منه، لكن من أخذ من المال العام كيف يستطيع أن يطلب المسامحة من كل المواطنين؟!.
ولهذا يجب البعد، وتوقى الشبهة في هذا الأمر.
ولا يقولن أحد أن غيري يأخذ، فالمستشفيات فيها آلاف المرضى ولا يرضى أحد أن يكون مريضاً، وسلامة الدين أهم من سلامة البدن، وشهوة المال الحرام لا يقطعها إلا تذكر الوقوف بين يدي الله، ولذا حرم الله الربا ونهى عنه، ثم ختم آيات الربا بقوله تعالى:(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)البقرة/281.
وحرم التطفيف والتلاعب بالميزان والمكيال، ثم ذكَّر بالوقوف بين يدي الله تعالى:( أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ . لِيَوْمٍ عَظِيمٍ . يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) المطففين/4-6.
وقد قيل بصدق:اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، وكم رأينا في الدنيا من استمرأ الحرام، ثم كانت عاقبته في الدنيا سيئةً، فضلاً عن عذاب الله في الآخرة.