اطلعنا على ما كتبته جريدة " الرأي "، العدد: (14044)، يوم الثلاثاء، تاريخ 24/3/2009م، تحت زاوية: " منبر الرأي " بعنوان ( قصة أسرة أردنية تثير أسئلة عميقة في الدين والمجتمع / الكشف الطبي شككه بحملها فطلقها وموعد الولادة برأها .. فهل تعود إليه زوجته ).
ونود هنا أن نؤكد على أن قضايا الطلاق من الأمور التي لا نجيب عليها من خلال الهاتف.
نعم، لا نجيب نظرا لحساسية الموضوع؛ ولأن البعض إذا سمع الجواب على الهاتف حاول تغيير السؤال ليحصل على الإجابة التي تناسبه.
وهذا سببه عدم المعرفة التامة بمعنى الحكم الشرعي، والذي هو حكم الله الذي سنقف أمامه للحساب، ولا ينفع هناك أن يكون السائل قد أخفى بعض الحقائق عن المفتي أو القاضي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ) متفق عليه.
ودائرة الإفتاء واجبها بيان الحكم الشرعي، ثم تقع مسؤولية التنفيذ على عاتق صاحب الموضوع.
وفي المسألة مدار البحث:
-كيف يطلق رجل زوجته مرة، بعد مرة، بعد مرة، وهو ما يزال في بداية الحياة الزوجية، أين الصبر والتحلي بمكارم الأخلاق وحسن الظن ببنات الناس.
-وكيف يخطئ أربعة أطباء في موضوع من اختصاصهم، والأجهزة الطبية متقدمة جدا اليوم.
-وماذا يفعل المفتي بعد أن يُقِر الزوج بالطلاق ثلاث مرات متفرقات، ويثبت ذلك في المحكمة الشرعية، والزوجة كما حلت للزوج بكلمة تحرم عليه بكلمة هي الطلاق، لكن من رحمة الله أن جعل تحريم الزوجة نهائيا (طلاق بائن بينونة كبرى) بعد ثلاث تطليقات، قال الله تعالى:(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) البقرة/229-230.
إن الزواج المذكور في الآية هو ما يسميه الفقهاء زواج الرغبة، أي بقصد الحياة الدائمة مع الزوجة، وليس التمثيلية السيئة التي يستحيي الفاضل من ذكرها، فتلك يقول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ ) رواه أبو داود، ومن دخل في هذه التمثيلية السيئة سماه الرسول صلى الله عليه وسلم:(التيس المستعار)، وهذا لا تفتي به دائرة الإفتاء، ولا يفتي به أحد من العلماء الذين يحترمون علمهم، وصحافتنا - مع احترامنا لها - يجب أن تبحث عن الحق وحكم الشرع، أما التعاطف مع من يطلق زوجته بهذه الكيفية فليس في موضعه.
نحن لا نحب الطلاق؛ لأنه أبغض الحلال إلى الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الأسوأ منه أن يعيش رجل مع امرأة لا تحل له، أو تعيش المرأة مع رجل لا يحل لها، وصاحب الموضوع ليس أول من طلق فندم، بل إننا نؤكد أنه ما من أحد طلق إلا وندم.
وقديما قيل:
أتبكي على ليلى وأنت تركتها *** لقد ذهبت ليلى فما أنت صانع!
وهذا الندم على ما فرط به الإنسان، يقال لصاحبه: "يداك أوكتا وفوك نفخ"، ويذكر فيه أن أعرابيا كان على جانب نهر، فجاء رجل ليقطع النهر، فنفخ قربة ليسبح بها، فقال له الأعرابي: شد وكاءها. فقال:لا شأن لك بهذا. فلما توسط الماء انحل رباط القربة، فبدأ يغرق، فاستغاث بالأعرابي، فقال له: ماذا أفعل بك: يداك أوكتا وفوك نفخ.
فلا تلوموا المفتي، ولوموا مَن لا يقدر الأمور تقديرا صحيحا.