الصائم ومحبة الله
رمضان سيد الشهور، ولياليه خير ليالي السنة، وقد خصه الله سبحانه وتعالى بالميزات والعطايا الإلهية مما لا يخفى على أحد؛ ففي رمضان ليلة القدر، وهي ليلة القرآن، ورمضان شهر الصيام وهو ركن من أركان الإسلام، وهو شهر التقوى وشهر البركة وشهر الرحمة، إلى غير ذلك من المزايا التي يزينها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سَيِّدُ الشُّهُورِ شَهْرُ رَمَضَانَ) رواه البيهقي.
وكما خص الله تعالى رمضان بهذه المنح الإلهية، كان كذلك للصائم نفسه المزيد من المنح والعطايا الربانية؛ فالصائم كفاه فضلاً أنه الوحيد الذي يدخل من باب الريان يوم القيامة، وهو الذي خلوف فمه عند الله أطيب من ريح المسك، وهو الذي يجازيه عز وجل عن صيامه بما شاء من فضله وأكثر.
وتبقى المنحة الربانية الأكبر للصائم محبة الله عز وجل، فالصائم يقوم بعبادة لا يطلع عليها أحد في امتناعه عن المفطرات، وهذا الامتناع يجعل منه رقيباً على نفسه ومحاسباً لها؛ فيعبد الله عز وجل كأنه يراه، وهذا هو مقام الإحسان، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في تعريفه للإحسان في الحديث المشهور: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) رواه البخاري، فتكون النتيجة دخول الصائم وهو محسن في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
والصائم صابر مكابد للمشقة في صيامه، يترك الطعام والشراب لله تعالى ويُصبّر نفسه على ذلك، روى ابن خزيمة في صحيحه قال: عن سعيد بن المسيب، عن سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: (أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ). وقال أبو حاتم: "شكر الطاعم الذي يقوم بإزاء أجر الصائم الصابر: هو أن يطعم المسلم، ثم لا يعصي باريه، يقويه، ويتم شكره بإتيان طاعاته بجوارحه؛ لأن الصائم قرن به الصبر لصبره عن المحظورات، وكذلك قرن بالطاعم الشكر، فيجب أن يكون هذا الشكر الذي يقوم بإزاء ذلك الصبر يقاربه أو يشاكله، وهو ترك المحظورات" [صحيح ابن حبان (2/18)].
فيدخل الصائم في قول الله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146].
والصائم غاية ما يطلب من صيامه التقوى؛ كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصَّوْمُ جُنَّةٌ) رواه النسائي وغيره، ومعنى الصوم جنة أي وقاية للعبد من الرفث والمعاصي والآثام، وكل ذلك داخل في معنى التقوى، والتي تفرض على العبد أن يجعل بينه وبين معصية الله وقاية؛ فتكون النتيجة دخول الصائم في قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4].
والصائم كما يطهر جسده لأداء العبادة، يطهر قلبه من الحقد والحسد وكافة الآثام بالصيام، حتى أنه يتسامى مع نفسه ممن يسبه ويخطئ في حقه، فلا يكون جوابه إلا: إني امرؤ صائم، وطهارة النفس هذه لا شك أن مصيرها في قول الله عز وجل: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].
وتكون العاقبة للصائم الفوز بمحبة الله عز وجل، وأكرم به من فوز، فهو غاية ما يرجو المسلم، فينال أقصى أمانيه ورجائه بصوم هذه الأيام المعدودات، فإذا كان الله سبحانه وتعالى يحبك، فهل يضرك بعد ذلك شيء؟!
وهذا غيض من فيض في فضل شهر القرآن، رمضان.