الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم صلاة وتسليما يليقان بمقام أمير الأنبياء، وإمام المرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله، ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين.
سلام عليك يا رسول الله... أنت دعوة أبيك إبراهيم ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ )، فكنت أنت هذه الدعوة، وما أجلها...
وأنت بشارة أخيك عيسى ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )
وأنت رؤيا أمك آمنة، لقد رأت حين ولدتك كأن نورا سطع منها أضاءت لها قصور الشام، فكنت أنت ذلك النور تضيء في ليلة صفت سماؤها، ورق ماؤها، وطاب هواؤها، وضعت آمنة بنت وهب خير خلق الله، وصفوة رسله، محمدا صلى الله عليه وسلم، وأذاعت على الكون هذا النبأ السعيد.
صلى عليك الله يا علم الهدى، ما هبت النسائم، وما ناحت على الأيك الحمائم.
كل القلوب إلى الحبيب تميل ومعي بهذا شاهد ودليل
أما الدليل إذا ذكرت محمدا صارت دموع العاشقين تسيل
هذا رسول الله هذا المصطفى هذا لرب العالمين رسول
يا سيد الكونين يا علم الهدى هذا المتيم في حماك نزيل
ماذا أقول عنك يا رسول الله وقد أخذ الله من النبيين ميثاقهم في مشهد رباني رائع فقال: ( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ )
إن مثلي ومثلك يا رسول الله كمثل أعرابي ضل الطريق في الصحراء، فلما طلع عليه القمر اهتدى بنوره، فقال: ماذا أقول لك أيها القمر؟ أأقول رفعك الله؟ لقد رفعك الله. أأقول لك نوَّرك الله؟ لقد نورك الله. أأقول جملك الله؟ لقد جملك الله. وانا ماذا اقول لك يا سيدي يا رسول الله؟ أأقول رفعك الله؟ لقد رفعك (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) أأقول نورك الله؟ لقد نورك ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ) أأقول جملك الله؟ لقد جملك ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا )
يا سيدي يا رسول الله معذرة إذا كبا فيك تبياني وتعبيري
ماذا أوفيك من حق وتكرمة وأنت تعلو على ظني وتقديري
أقبلت كالفجر وضاح الأسارير تدعو إلى الله في يسر وتبشيري
على جبينك نور الحق منبلج وفي يديك لواء العدل والنور
مرحبا بذكرى مولد نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، المرسل بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين، تخيَّره الله من صفوة بني آدم، وفضَّله على سائر خلقه، ليعيد بناء التاريخ، ويصحح أوضاع الحياة البشرية، ويعمر الأرض بفيض من نوره، فإذا هي كوكب منير مثل كواكب السماء، وليحرر الإنسانية من عبادة أطماعها إلى عبادة ربها، ومن السجود للمخلوقات للسجود لخالقها الذي أنشأ من التراب خلقا سويا، وأنبت من الجنة روضا جنيا، وأجرى من الصخر أنهارا، وجعل من الشجر الأخضر نارا ( فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ).
لقد تفتحت في ربيع مولد رسول الله أزهار الفردوس بشرا وسلاما قبل أن تتفتح أزهار الحطام البائد في دنيا الفناء، وزفت أجنحة الملائكة المطهرين حول البيت المعمور مسبحة بحمد ربها، مرحبة باللؤلؤ اليتيم في زاوية آمنة، وبالقمر المولود في بيت عبد الله وبالكنز المطل من شعاب مكة، تستقبله العناية بظلها الممدود في حرم الله، الذي أمن فيه الطير والحيوان حين ضاع الأمن بين بني البشر.
يا مرحبا بهذا اليتيم الشريف، والفقير الغني، فقير وكنوز الخير في رسالته، يتيم والإنسانية كلها في كفالته، إنه دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى... شجرة من الصحراء أظلت الكون، وأمي أرسل معلما للقارئين والكاتبين، تفزعت عند مولده قواعد إيوان الظلم، إنذارا لعسف الأكاسرة، وسطوة بيزنطة، وزال أمام نور التوحيد وهج المجوسية المتلاشي في بيت النار، وغاصت أمواج الكفر الطافية على دموع المظلومين...
ذلك هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هدم من البيت أوثان الحجر، وأقام عليه بلالا ليهدم بأذانه أوثان البشر ... فما ظنكم برب العالمين!
لقد صاغ فطرة نبيه من مجد العرب الأثيل وفرعها المثمر الأصيل، ولا عجب أن ابن الصحراء يحمل فيها قلبا أرحب من فضائها، ونفسا أصفى من سمائها، وكرما يوقد النار على أبواب الخيام في العشيات لإرشاد الغريب إلى المأوى حين يجد على النار هدى، ولابن الصحراء مع هذا الكرم غضبة يفور منها البركان إذا ما أريد به أن يرضى بالهوان، فهو يرفع استقلاله فوق حياته، ويرخص كل دم ذكي في صون عزته، والنضح عن حربته، وتراه يمضي وظهر الجواد سريره، وزئير الأسد سميره، وصليل الرمح نشيده، وشجاعته إلى النصر بريده، حتى يرفع الظلم عن ثراه، ويدفع الضيم عن حماه.
أيها الناس!
هذا هو نبي الله منار الكائنات، وواحد النيرات، الذي أنار الأرض بالسجدات... كانت
تزدحم على بابه الوفود، وتذعن لأمره الكتائب والجنود، والمغانم كثيرة وفيرة، ثم يدخل عليه ابن عباس فإذا به يصلي في ثوب واحد، متشحا به، يتقي بفضوله برد الأرض وحرها... طعامه الشعير، وإدامه الخل، وزاده الرضى، ومطيته بعد البراق البعير... يؤثر في جنبه الحصير، ولو شاء لجاءه من الفردوس الحرير... يمشي إلى جنبه المسكين الفقير، ولو شاء لصافحه القمر المنير... تخلَّى عن زهرة الدنيا، ورضي بالقناعة زادا، وبالتسلم لله مهادا...
فيا حماة الإسلام، يا حماة الأقصى إذا أردتم سلام الأرض فاتبعوا محمدا، وأريحوا هيئة الأمم.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.