تعميم الأحكام من أهم أسباب الصراع والنزاع
من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الإنسان تعميمه للأحكام، وهذا يدل على عدم دقته في أحكامه على الأشياء والناس، فالتعميم هو الخاطر الأول الذي يأتي على عقل البشر، لكنّ العاقل يتجاوز هذه النتيجة السريعة لينعم التفكير أكثر، فيصل لنتيجة أدق.
فلو أنّ إنساناً اشترى بضاعة من بائع خضار ثم وجد أن البائعَ قد غشه فوضع له بضاعة أخرى رديئة سيحكم فوراً: كلّ بائعي الخضار غشاشون. ولا يخفى الظلم الذي تلتحف به هذه النتيجة. لكن الخبر السيء أنّ هذا ما نقوم به طول الوقت، فعندما تكتشف الزوجة الآعيب زوجها تقول: كل الرجال خونة، والعكس صحيح، وهكذا نعيش في سيل من التعاميم المجحفة التي لا يقبلها العقل أو المنطق، وهي مخالفة للواقع.
والسؤال الآن، كيف نتعامل مع مثل هذه الأحكام العامة؟
أمّا كمستمع، فينبغي ألا أقبلَ بالأحكام العامة ولا أسلّم بها، فعندما يقول لك ولدك: كل الأولاد يخرجون مع آبائهم في رحلات يوم الجمعة، لا شك أنّ هذا الكلام غيرُ دقيق، فكثير من الآباء يعملون يوم الجمعة، وبعضهم يحبّذ الراحة والاسترخاء، وبعضهم يفضّل الزيارات العائلية...، وهكذا.
أمّا كمتكلم، فينبغي أنْ أحرصَ على أنْ أخصّصَ الحكم ولا أعمّمَه، فمثلا أقول: غشني بائع خضار، بعض الأزواج يغشون زوجاتهم والعكس، بعض الأولاد يخرجون في رحلات مع آبائهم يوم الجمعة، وهكذا. فيكون الكلام مقبولاً ودقيقاً.
قد يبدو الكلام بسيطاً جداً لكنه عند التطبيق في غاية الصعوبة، فإذا وسّعنا الدائرة قليلاً سنجد أن تعميم الأحكام يخرب الكثير من العلاقات، ويكون سبباً في زعزعة أمن البلاد والعباد، وأضرب مثالاً على ذلك: يقتل شخص من عائلة ما شخصاً من عائلة أخرى، فيهجم أهل المقتول على أهل القاتل فيحرقون دورهم ومحلاتهم وسياراتهم، والسؤال: ما ذنبهم؟ الفاعل واحد، والضرر عمّ الجميع؛ لماذا يحصل هذا؟ لأننا عمّمنا الحكم واعتبرنا كلَّ واحد في عائلة القاتل قاتلاً، وهذه عادات الجاهلية الذين كانوا يقتلون بالواحد العدد الكثير، فأرشد الله خلقه للقصاص الذي يعني المماثلة والمساواة، فيُقتصّ من القاتل وحده دون غيره.
ومثل هذا لو اعتدى أعجميٌّ على عربي سيعمم الحكم ويقال: كلّ الأعاجم يتآمرون على قتلنا ويحل لنا استهدافهم دفاعًا عن النفس. ومثله يقال لو اعتدى غير مسلم على مسلم، سيقال كلّ أبناء هذه الملة يقتلوننا فعلينا أن نسارعَ إلى قتالهم. كل هذا بسبب التعميم الذي يُشعر الإنسان بخطر زوال هويته، وعندها سيصبح على استعداد أن يخوضَ حربَه المقدسة دفاعًا عن هويته، مع أن أصل المشكلة لا دخل للهوية فيه، لكنه نزاع بين شخصين شاء الله أن يكون كل واحد منهما من هوية معينة من دين أو طائفة مختلفة عن الآخر.
وهنا يأتي دور العقلاء وأصحاب الحكمة، بأن يضعوا كلّ حدثٍ في حجمه الطبيعي والعادي، فلا تتعدى المشكلة الإطارَ الحقيقي لها، وعندها سيكون الوضع تحت السيطرة.
يعلمنا ديننا هذا النمط من التعامل، فيقول ربنا في كتابه: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وقال: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) وقال: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)، كل هذه النصوص توجب ألا يؤاخذ أحد بذنب غيره، وأن العقوبة إنما تتعلق بصاحب الذنب وحده.
هذا الظلم في تعميم الأحكام نعيشه كمسلمين، فإذا قام إرهابي بعمل إجرامي في بلاد الغرب، اتخذ الغرب مواقف متشددة من الإسلام والمسلمين، ففي إحصائية قام بها أستاذنا الدكتور محمد أبو النمر توصل إلى أن خمسة آلاف مرجع في مكتبة الكونجرس الأميركية تربط بين تلازم العنف والإسلام.
فعلينا كمسلمين أن نُريَ الناس جميعاً أحسن ما عندنا، وأن نعكس لهم صورة الإسلام السمحة، وألا نفترضَ أبداً أنّ وضوحَ صورته من الأمور البديهية، وعلينا ألا نقع في فخ تعميم الأحكام على الآخرين، فليسوا سواءً.