الفتاوى المعاصرة وحقوق الإنسان
المفتي الدكتور حسان أبو عرقوب
صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/ 12/ 1948م، وقد جاء في ديباجته: (لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم..).
فالكرامة الإنسانية التي يشترك بها كل الناس على الرغم من اختلافهم وتنوعهم هي الأساس الذي بني عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهذا المعنى ذاته هو الذي نادى به الإسلام ودعا البشرية إليه، ونلمس هذا بقوله سبحانه: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء/70، ومظاهر هذا التكريم للإنسان من حيث كونه إنساناً بغض النظر عن الاختلافات بين البشر، فالإنسان يستحق التكريم لأنه إنسان.
وقد بنيت الشريعة أحكامها على هذا الأساس المتين من احترام الإنسان وتكريمه، وسار الفقهاء قديماً وحديثاً في فتاواهم على هذا الطريق، حيث يظهر فيها جلياً مراعاتهم لحقوق الإنسان.
ومن أمثلة ذلك في الفقه القديم قول الحنفية بعدم جواز بيع شعر الإنسان وعظمه على الرغم أنهما طاهران، وعلة المنع كرامة الإنسان، فالآدمي مكرم بالنص.
وقال أبو حنيفة: لا يحجر على السفيه الخفيف العقل المتلف لماله فيما لا غرض له فيه ولا مصلحة إذا كان خاليا عما يوجب الحجر، بأن كان بالغاً عاقلاً حراً، وتصرفه في ماله جائز، لوجود الأهلية وإن كان مبذراً مفسداً يتلف ماله فيما لا غرض له فيه ولا مصلحة، لأن في سلب ولايته إهدار آدميته وإلحاقه بالبهائم، وهو أشد ضرراً من التبذير، فلا يتحمل الأعلى لدفع الأدنى. وإذا تأملنا بعض الفتاوى المعاصرة الصادرة عن دائرة الإفتاء العام سنجدها تلاحظ حقوق الإنسان وتحترمها، ومن أمثلة ذلك:
أصدرت الدائرة فتوى بحرمة إطلاق العيارات النارية في المناسبات، وعدم جواز القتل بداعي الشرف، وحرمة الانتحار، حفاظا على الحياة.
وفتوى تحرم التعذيب بالنار، مناهضة للتعذيب؛ لأنه انتهاك لكرامة الإنسان. كما منعت في فتوى لها تصوير المصابين والموتى في الحوادث؛ لأن فيه انتهاكا لخصوصية الإنسان وكرامته. وأكدت على جواز عمل المسلم في المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الضعفاء وأسرى الحروب، نصرة للضعفاء والمحتاجين.
وحرمت في فتوى لها استئصال أرحام ذوات الإعاقة العقلية؛ لما يشكل من اعتداء على جسد الإنسان، وتعرضه للجراحة والقطع دون حاجة.
وأصدرت الدائرة عدة فتاوى بعدم جواز ملك اليمين، احتراماً لحرية الإنسان وكرامته، ومن أبرز فتاواها في هذا الصدد، عدم جواز ما تفعله داعش الإرهابية من سبي للإيزيديات.. كما دعت الدائرة في فتاواها إلى سيادة القانون في الوصول إلى الحقوق، وهو من باب حق الحصول على محاكمة عادلة.
وأكدت الدائرة في فتواها أن للزوجة ذمة مالية مستقلة، وليس لأحد أن يأخذ من مالها بغير رضاها. كما أكدت على حقها في الميراث، وحرمة حرمانها منه.
وأجازت في فتوى لها دفع الزكاة للطالب الفقير، تشجيعاً للعلم والتعلم كحق أصيل من حقوق الإنسان.
وأكدت الفتوى على حقوق الملكية الفكرية، والجهود الإبداعية، من باب الحق في المشاركة في الحياة الثقافية.
وعلى الصعيد العملي، نظمت الدائرة جلسة حوارية حول حقوق الإنسان ضمن فعاليات منتدى الإفتاء الثقافي تحت عنوان (حقوق الإنسان..المفاهيم والجذور) ألقاها عطوفة المفوض العام لحقوق الإنسان د.موسى بريزات.
وأقامت الدائرة دورة للعاملين فيها بعنوان (الإعلام والبيئة) لتدريب العاملين على نشر الوعي البيئي؛ لأن البيئة السليمة حق من حقوق الإنسان. وذلك بالتعاون مع وزارة البيئة.
وعقدت ورشة تدريبية بعنوان: (كيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة).
وعقدت الدائرة دورة للعاملين فيها بعنوان: تعلم لغة الإشارة، وذلك لتسهيل التعامل مع ذوي الإعاقة من الصم والبكم.
وغير ذلك كثير من الفتاوى والنشاطات التي جاءت منسجمة مع حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني، ممّا يشير إلى ملاحظة دائرة الإفتاء العام للنواحي الإنسانية، وأنها ليست بعيدة عن التشريع الذي يضمن حقوق الإنسان ويكرمه.