نفحات لا بد منها في رمضان
يقبل رمضان كل عام والمؤمن الصادق والمسلم الكامل يستقبله بهمة عالية وفرح غامر، فرمضان له في قلوب الصالحين مكانة خاصة ومنزلة متميزة، فهو أعظم الشهور يمناً وخيراً وأعمها نفعاً وأرفعها منزلةً وشأناً، شهر كرمه الله بما أودع فيه من الخير وعظمه رسول الله وباركه فسماه شهر الله، فهو شهر الطاعات والعبادات شهر الخير والبركات، الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى الفرقان، فليت المسلمين يقدرونه قدره وليتهم ينزلونه منزلته وليتهم يغتنمون ساعاته وأوقاته.
• فالمؤمن يستقبله بالتوبة الصادقة المخلصة التي يمحو الله بها الخطايا ويرفع بها الدرجات ويبدل السيئات حسنات، (ياأيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً) التحريم/ 8.
• المؤمن يستقبل رمضان بالمحافظة على الصلاة وأوقاتها والمداومة على الجماعة فيها، فالصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما، ومن حافظ على الصلاة كانت له نوراً ونجاة وبرهاناً يوم القيامة.
• المسلم يستقبل رمضان بالعزم على الصيام الذي يطهر النفوس من آثامها ويخلصها من ذنوبها ويدربها على الصبر الذي هو نصف الإيمان وسرّ سعادة الإنسان وعدة المؤمن إذا اشتد الخطب وعظم الكرب.
• المؤمن يستقبل رمضان بالعزم على قراءة القرآن وتدبر آياته ومعرفة أحكام حلاله وحرامه، فالقرآن هو الذي يصلح للناس عقائدهم ويقوم أخلاقهم ويطهر نفوسهم ويثقف عقولهم، مصداقاَ لقول الله تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) المائدة / 15.
• المسلم يستقبل رمضان بالعزم على المواظبة على صلاة التراويح وقيام الليل، لأنه دأب الصالحين وطريق المتقين كما قال الله تعالى: (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذاريات/ 17-18، وقوله تعالى عن المؤمنين: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) السجدة/ 16، قال أهل التفسير هو قيام الليل، حيث يترك القائم فراشه وأهله ويهجر نومه وراحته، ويقبل على الله تعالى خوفاً وطمعاً إيماناً واحتساباً، قال رسول الله: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) متفق عليه، فعلى المسلم أن يوطن نفسه لاستقبال هذا الوافد الكريم والشهر العظيم.
• هذا الشهر الكريم قد فرض الله صومه على المسلمين وجعله ركناً من أركان الدين وسجل فريضته في القرآن في عدة آيات من القرآن ليبقى حكمه خالداً خلود القرآن، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/ 183، وقال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) البقرة/ 185، وعدّ رسول الله صيام رمضان ركناً من أركان الإسلام وقاعدة من قواعد الدين وقربة من أعظم القربات إلى رب العالمين، فقال صلى الله عليه وسلم: (بنيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصِيَامِ رَمَضَان)، وفي الحديث الآخر: (عُرَى الإِسْلامِ وَقَوَاعِدُ الدِّينِ ثَلاثَةٌ عَلَيْهِنَّ أُسِّسَ الإِسْلامُ، مَنْ تَرَكَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَهُوَ بِهَا كَافِرٌ حَلالُ الدَّمِ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَالصَّلاةُ الْمَكْتُوبَةُ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ) [مسند أبي يعلى الموصلي].
وأجمع المسلمون على وجوب صوم رمضان، واعتبروه معلوماً من الدين بالضرورة يعرفه العامل في مصنعه والتاجر في متجره والجندي في معسكره، لا يخفى وجوب صومه على أحدٍ.
• جمع الله في شهر رمضان من الخير الشيء الكثير، فقد ورد في فضله أن (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ومَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)، وهو شهر أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، ففي الخبر أن الله تعالى يعتق كل ليله عند الإفطار عدداً من الخلائق، فإذا كان آخر ليلة اعتق عدداً يساوي عدد ما أعتقه في سائر الليالي، فنسأل الله تعالى أن يبلغنا شهر رمضان وأن يوفقنا لاغتنامه وأن يعتق رقابنا من النار.
• رمضان في أذهان المسلمين غير رمضان في واقع المسلمين: رمضان في واقع المسلمين بطون متخمة ومسلسلات لا تنتهي، رمضان يرتبط في أذهان المسلمين بأحداث جسام غيرت مجرى التاريخ وكان لها أكبر الأثر في تاريخ الإنسانية، فأعظم هذه الأحداث الرمضانية نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يتعبد في غار حراء نزل عليه جبريل الأمين بأول آيات القرآن الكريم: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ) العلق / 1-2، ثم تتابعت الأيام حتى أقبل رمضان من السنة الثانية للهجرة، وفيه وقعت غزوة بدر الكبرى هي أول غزوة أعز الله فيها الإسلام ونصر المسلمين، وهزم الكفار والمشركين، وامتن بذلك على المؤمنين، فقال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) آل عمران/ 123، ثم تتابعت الأيام حتى أقبل رمضان من العام الثامن الهجري، وقد نصر الله المؤمنين نصراً أكبر، وهزم الشرك والمشركين.
• وفي شهر رمضان من كل عام يدخل المسلمون إلى مدرسة الصيام فيتلقون فيها مبادئ من الخلق الكريم والأدب الرفيع والعمل النبيل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاكم شهر رمضان شهر بركة فيه خير يغشيكم الله، فيُنزل الرحمةَ ويَحُطُّ فيه الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشَّقِيّ من حُرم فيه رحمة الله عز وجل) رواه الطبراني.