لغتنا المظلومة في الإعلام
يصادف 18 كانون الأول اليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم (3190) عام 1973م، الذي يقر بإدخال اللغة العربية ضمن لغات العمل في الأمم المتحدة.
وإذا تأملنا واقع لغة (الضاد) في وسائل الإعلام سنصاب بالحزن الشديد والأسى لما لحقها من إهمال وإساءة وتجاهل، على الرغم من القبول الأممي لها.
فبدل أن تعزز وسائل الإعلام هذه اللغة وتغرسها في عقول الجيل وتقوم ألسنتهم، باتت حربا غير معلنة على هذه اللغة، و مثالا حيًّا على مناهضتها. وأسوق ثلاثة نماذج لاعتداء وسائل الإعلام على لغتنا الحبيبة:
النموذج الأول: الحديث بالعامية، نسمع بعض الإذاعات والقنوات الفضائية يستخدمون اللغة العامية في حديثهم، مما أدخل اللغة الفصيحة غرفة الإنعاش، وأخفى جمالها عن المسامع، مما روج للعامية وحرم أبناءنا من تذوق جمال لغتنا التي تنسب لها أمتنا.
والأعجب أن بعض الإذاعات الأردنية أتت بمن يتحدث بلهجة غير لهجتنا فنسمع مثلا (ناطرينكم، خليكن معنا، لا تفلوا، ،هيدا، ليك) مع احترامنا الشديد لكل لهجة محكية إلا أننا بذلك نعمل على إقصاء لهجتنا المحكية أيضا فنزيد الطين بِلة. ومن هنا ليس غريبا أن نجد أصحاب بعض المحلات قد تأثر بموجة العامية التي هبت علينا فكتب (أهوة...) بدل قهوة.
النموذج الثاني: الحديث بلغة أجنبية، ويظهر هذا من بعض الإعلاميين محاولا أن يظهر بأنه متحضر ومثقف يتكلم بعدة لغات، فعند سعاله يقول: (sorry) وعند مقاطعته لأحد يقول: (excuse me) وهكذا، وما زاد الأمر بشاعة أننا نجد أسماء البرامج تكتب كما تلفظ بالإنجليزية، فمثلا (آراب أيدول) (سوبر ستار) (إكس فاكتور) وكأننا نعجز عن ترجمة معانيها، مع تحفظي الشخصي على المحتوى المقدم في هذه البرامج، فهذا له قصة أخرى.
النموذج الثالث: الأخطاء اللغوية والنحوية، وهذا بحر لا ساحل له، أتذكر أنني كنت أصحح لغتي من خلال مذيعي هيئة الإذاعة البريطانية- القسم العربي.
أما الآن فأضطرّ إلى تصويب أخطاء المذيعين كي لا يتعلم أولادي الخطأ. فوسائل الإعلام لها قوة في تعليم أو تجهيل الناس.
ومن أمثلة الأخطاء اللغوية قولهم: نلفت عناية السادة المشاهدين، بمعنى نسترعي اهتمامهم ونجذبهم ونشدهم إلينا، مع أنه لا يستعمل إلا بمعنى صرف. أي العكس تماما. قال ابن فارس في (معجم مقاييس اللغة) (لَفَتَ) اللَّامُ وَالْفَاءُ وَالتَّاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى اللَّيِّ وَصَرْفِ الشَّيْءِ عَنْ جِهَتِهِ الْمُسْتَقِيمَةِ(.
أما الأخطاء النحوية فأكثر مما تحصى، ومثالها: شهدت عمّان مبارياتٍ جميلةٍ، مع أن (جميلة) صفة لمباريات التي نصبت بالكسرة عوضاً عن الفتحة كونها جمع مؤنث سالم، فالصواب: شهدت عمّان مباريات جميلةً.
ولأن اللغة تعبر عن شخصية أصحابها وهويتهم، علينا أن نرجع إلى لغتنا الحبيبة، وأن نتعلمها بشكل أفضل، وأن يتم التدقيق اللغوي على وسائل الإعلام؛ لأنها هي التي تصنع الأجيال، وتبني عقولهم، وتصحح لغتهم، وأن تكون اللغة محل اهتمام الرقابة، فاغتيال اللغة لا يقل سوءا عن اغتيال الشخصية، بل هو أكبر؛ لأن فيه قتلا لهوية أمة وحضارتها.
لقد كان لغير العرب شهادة تحترم في حق لغتنا العربية، فمثلاً نجد أحد أشهر الأدباء الألمان، يوهان غوته يقول: "ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية، وإنه تناسق غريب في ظل جسد واحد".
وأخيراً لست من فرسان هذه اللغة، ولكنني بكل تأكيد من عشاقها، ولذلك أدعو، إن فقدنا القدرة على أن نكون من فرسان هذه اللغة الجميلة فلنكن من محبيها وعشاقها.