من آفات الخطاب الديني في الإعلام
إن الخطاب الديني من أوسع الخطابات انتشاراً عبر وسائل الإعلام المختلفة، وهدفه إطلاع الناس من مؤمنين وغيرهم على تعاليم الدين، وبيانها لهم، لتكون منهجاً للمعتقدين، ودعوة لغير المعتقدين.
إن المتتبع للخطاب الديني يلحظ مجموعة من الآفات التي تحد من نجاحه الفعلي، وأقول الفعلي؛ لأنه ربما نجح بمعنى انتشر، لكنه يفتقد إلى الثمرات الحقيقية المرجوة منه، ومن أبرز هذه الآفات:
أولاً: استعمال لغة التكفير والتفسيق:
حيث يعتبر أصحاب هذا الخطاب أنفسهم على الحق، وأن من لم يعتقد معتقدهم أو خالفهم فاسق ضال، والعجيب! أن هذا الكلام موجه لأبناء دينهم، وفي مسائل خلافية، فمثلاً اتهام من زار قبراً لأحد الأولياء بأنه مشرك، قد ضل الطريق، وافتقر إلى العقيدة السليمة، بل من لم يكفره فهو كافر مثله. وهذه لغة غاية في الإقصاء، فالحكم على إيمان الناس وعقيدتهم لا يصح أن يكون جزافاً بهذا الشكل. بل لا بد أولا من التأكد من صحة معتقدهم، وسبيل هذا الحوار معهم. فإن وجد عندهم خطأ علمهم الصواب، وإن لم يجد نبه على أن لهم وجهاً في فعلهم، قد لا نتفق معه فيه ولا نحبذه. أما إطلاق الأوصاف من التبديع والتضليل، فإنه ينقل هذا المنهج لباقي المتابعين، مما ينشر هذه الثقافة الإقصائيّة في المجتمع، ويساهم في انقسامه، وبعد ذلك يثمر التطرف والإرهاب؛ لأنني عندها أرى من أمامي إما مشركاً أو مبتدعاً ضالاً.
ثانياً: التعصّب المذهبي:
وجود المذاهب من الأمور الطبيعية منذ نشأة الدين، أما التعصب فهو المذموم في كل زمان ومكان؛ لأنه يخرج صاحبه عن طريق العدل والإنصاف، ويجعله متوحداً مع المذهب حتى لا يرى سواه، فيعطل العقل والفكر، ويصاب العقل بالجمود ورفض الآخر، وبدل أن يستثمر المتعصب وقته بالدراسة والعلم، يصبح مشغولاً بتتبع سقطات الآخرين والرد عليهم، ولا نهاية لهذا العمل، وكلما زادت الردود زادت العداوات بشكل طردي، فيعيش ضحايا خطاب التعصب في دائرة الكُره المتبادل مع كل مخالف، ويشيع ثقافة كره الآخر ورفضه في المجتمع، مما يؤدي إلى التطرف والإرهاب. وكم مارس المتعصبون العنف من زمن بعيد ولا يزالون.
ثالثاً: عدم التمييز بين ما هو نص إلهي واجتهاد بشري، وهذه آفة عظمى، إذ النص الإلهي له قدسيته واحترامه، ولا يسع المتدين أن يخالفه أو يعرض عنه، وإلا لن يكون لتدينه معنى، أما الاجتهاد في فهم النص فيبقى جهداً بشرياً ليس له ذات القداسة وإن كان له الاحترام والتقدير، فهو قابل للأخذ والرد والمخالفة، إذ يتعبد الناس بكلام خالقهم لا بكلام مخلوق مثلهم. والمشكلة تكمن في رفع الاجتهاد البشري إلى قداسة النص الإلهي، مما يحظر على عقول الناس من الاقتراب أو البحث في اجتهاد بشري، ربما وُجد عند الآخرين ما هو خير منه.
رابعاً: البعد عن الواقع:
وتلحظ هذه الآفة من خلال بعض المواضيع المقدمة، فبينما يعيش الناس في أزمات لا يعلمها إلا الله تعالى نجد من يخصص حلقة عن حرمة حلق اللحية، أو وجوب وجود السترة للمصلي، وكلها مسائل خلافية، لن يسهم تخصيص حلقة أو كتاب لها بنهضة الأمة حضارياً، بل الخلاف فيها يسع الجميع، فهي ليست قضايا عقدية ينبني عليها إيمان الشخص من عدمه.
خامساً: استعمال الخرافات والقصص:
يبنى الدين السماوي على نص إلهي، والمطلوب إيصاله للناس، أما الاستعانة بالقصص والخرافات والأكاذيب فمن أشنع ما يستعمل، مع أنه عذب على المسامع تقبله الأنفس، وتتخدر به العقول، وتبكي بسببه الأعين، مثاله: ما يرويه بعض الدعاة من قصص لا أصل لها ولا سند، ينقلونها عن عامة الناس، ويشيعونها بينهم كأنها نص مقدس، فهذه البنت قد شلت لأنها عصت أمر والدتها، وذاك جُنّ لأنه رفض أمر أبيه، وآخر افتقر لأنه لم يتبرع للجهة الفلانية، وهذه أصابها السرطان لأنها لم تتحجب، ومثله كثير مما يكرس فكرة عن الإله أنه يعاقب عباده فقط، وليس رحيماً بهم عفواً عنهم غفوراً لذنوبهم وزلاتهم.
هذا غيض من فيض، ولكنني وددت أن أمرّ على هذه الآفات سريعاً مذكراً بها نفسي وإخواني كي نجتنبها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.