حقوق البنات في الإسلام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
رفع الإسلام شعار التكريم لبني الإنسان حيث يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء/70، هذا التكريم يشمل الذكر والأنثى، وقد جاء بعد أن كان بعض العرب ينظرون إلى المرأة على أنها عار يجب التخلص منه، يقول الله تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) النحل/58، 59.
بعد ظلام الجاهلية جاء نور الإسلام ليعطي البنت حقوقها كاملة لا لشيء؛ إلا لأنها إنسانة كريمة على الله تعالى، وقد حث الإسلام الآباء على إعطاء بناتهم حقوقهن كاملة، ووعدهم بأن يكرمهم بجوائز ثلاث عظيمة؛ أحدها: أن يحجبه الله تعالى عن النار. الثانية: أن يحشره مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. الثالثة: أن يدخله الجنة ويكون فيها رفيقاً للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. وأكرم بها من كرامة!
وهذه الحقوق أجملها في الأمور الآتية:
أولاً: ينبغي على الأب أن يختار لولده – ذكراً كان أو أنثى- أماً صالحة، ولا يكون هذا متحققاً إلا إذا اختار الزوج لنفسه زوجة صالحة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك) متفق عليه؛ لأن ذات الدين امرأة صالحة، وهي تحرص على أن تربي ابنتها تربية صالحة أيضاً، فيظهر عندنا جيل من النساء الصالحات ومن ثم مجتمع صالح.
ثانياً: يحرص الوالد على أن يعيذ ابنته من الشيطان بالدعاء لها قبل أن توجد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً) متفق عليه.
ثالثاً: أن يقوم الوالد برعايتها بمجرد ولادتها، وذلك من خلال تطبيق سنن الولادة ومنها:
- أن يؤذن في أذنها اليمنى، ويقيم في أذنها اليسرى. يقول زكريا الأنصاري: "يؤذن في أذن المولود اليمنى ويقيم في اليسرى" [أسنى المطالب 1/ 125] .
- ويحنكها. فعن أنس رضي الله عنه قال: "ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيرا له، فقال: (هل معك تمر؟) فقلت: نعم، فناولته تمرات، فألقاهن في فيه فلاكهن، ثم فغر فا الصبي فمجه في فيه، فجعل الصبي يتلمظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حب الأنصار التمر) وسماه عبد الله" [صحيح مسلم 3/ 1689].
- ويسميها باسم حسن، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء القبيحة إلى أسماء طيبة، فابن عمر رضي الله عنهما روى أن ابنة لعمر رضي الله عنه كانت تسمى عاصية، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم (جميلة). [سنن ابن ماجه 2/ 1230].
- ويذبح شاة عقيقة لها، فعن عائشة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة) [مسند أحمد40/30]. "ويسن طبخها كسائر الولائم وتطبخ بحلوى تفاؤلاً بحلاوة أخلاق المولود" [مغني المحتاج 6/140].
رابعاً: أن يحسن تربيتها وتأديبها، وتعليمها عبادة ربها، فيعلمها أصول التوحيد والشريعة خاصة الصلاة والصيام، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئاً، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن كن له ستراً من النار) متفق عليه. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها، وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) [سنن أبي داود 1/133].
يقول الإمام النووي: "قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الصغار ما سيتعين عليهم بعد البلوغ، فيعلمه الولي الطهارة، والصلاة، والصوم ونحوها، ويعرفه تحريم الزنا، واللواط، والسرقة، وشرب المسكر، والكذب، والغيبة وشبهها: ويعرفه أن بالبلوغ يدخل في التكليف، ويعرفه ما يبلغ به: وقيل هذا التعليم مستحب، والصحيح وجوبه وهو ظاهر نصه وكما يجب عليه النظر في ماله، وهذا أولى، وإنما المستحب ما زاد على هذا من تعليم القرآن وفقه وأدب: ويعرفه ما يصلح به معاشه.
ودليل وجوب تعليم الولد الصغير والمملوك قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) التحريم/ 6، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومجاهد وقتادة: معناه علموهم ما ينجون به من النار وهذا ظاهر، وثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته) متفق عليه، ثم أجرة التعليم في النوع الأول في مال الصبي، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته" [المجموع 1/26].
خامساً: أن ينفق عليها في طعامها وشرابها ولباسها وسكنها ما تحتاج إليه حتى تدرك وتتزوج، وله في هذا أجر عظيم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو) وضم أصابعه. [صحيح مسلم 4/ 2027]. وفي رواية: (من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كهاتين)، وأشار بأصبعيه. [سنن الترمذي 4/ 319]. أي إنه سيحشر مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وسيكون رفيقاً للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة، ويا له من شرف عظيم!
سادساً: أن يسمح لها والدها بأنْ تتعلم وتحصل على الشهادة العلمية حتى تكون بنتاً متعلمة نافعة لأهلها ولمجتمعها، وهذا يدخل ضمن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) [سنن ابن ماجه1/ 81].
مع التنبيه على أن البنت ينبغي عليها أن تلتزم بدينها وأخلاقها في تعاملها، وخروجها من بيت أبيها، بحيث تكون محتشمة في لباسها وزينتها، يقول الله تعالى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الأحزاب/33.
سابعاً: للبنت حق التملك لما تكسبه من عملها أو ما يعطى لها، قال الله تعالى: (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) النساء/32. ولها حق تملك مهرهاً، قال الله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النساء/4، وليس لوالدها حق في أخذ شيء من مالها إلا بطيب نفس منها، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) [ مسند أحمد 34/ 299] .
ثامناً: يحرص الوالد على أن يزوج ابنته وله أجر كبير، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عال ثلاث بنات، فأدبهن، وزوجهن، وأحسن إليهن، فله الجنة) [سنن أبي داود 7/ 459]. وأن يزوجها من رجل صاحب دين وخلق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد)، قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه)، ثلاث مرات. [سنن الترمذي 3/ 387]. فالوالد مطالب بأن يتحرى عن الخاطب لابنته، ويسأل الثقات من الناس عن التزامه بدينه وخلقه، فإذا شهدوا له بالدين والخلق زوجه، وإلا فلا يجوز أن يزوجها لإنسان فاسق لا يتق الله تعال فيها، وينبغي على الوالد أن يسأل عن دين الخاطب وخلقه قبل أن يسأل عن وظيفته أو داره، ولا يحل للوالد أن يمنع البنت حقها في الزواج لأي غرض كان سواء أكان طمعاً في مالها أم فكراً منحرفاً عنده، أم عادة سيئة، لقول الله تعالى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) البقرة/ 232.
ومن جميل ما قاله فقهاؤنا: "إن رغبت – يعني البنت- في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلاً لها. فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها، فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلاً لها بهذا؛ لأنه لو زوجت من غير كفئها، كان له فسخ النكاح، فلأن تمنع منه ابتداء أولى." [المغني لابن قدامة 7/31]، ولأن تصرفه سيكون وبالاً عليها، ثم إنها الغريزة التي فطر الله تعالى الإنسان عليها وأوجدها فيه، هي التي تنادي وتطلب حقها، وويل لمن يمنعها حقها الذي أوجبه الله تعالى لها.
وفي الختام؛ همّ البنات للمات كما يقال، وعلى الآباء أن يصبروا ويعطوا كل ذي حق حقه ليكسبوا أجره وخيره، ويدفعوا عن أنفسهم ضرره وشره، وما أصدق قول الشاعر حطَّان بن الْمُعَلَّى [شرح ديوان الحماسة للتبريزي 1/ 102]:
لَوْلَا بنيات كزغب القطا رددن من بعض إِلَى بعض
لَكَانَ لي مُضْطَرب وَاسع فِي الأَرْض ذَات الطول وَالْعرض
وَإِنَّمَا أَوْلَادنَا بَيْننَا أكبادنا تمشي على الأَرْض
لَو هبت الرّيح على بَعضـــهم لامتنعت عَيْني من الغمض
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.