ما يستحب لإمام الصلاة فعله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد؛
فإن الإمام في صلاة الجماعة هو أهم أركانها بحيث لا تقوم إلا به، ولذلك اشترط الإسلام شروطاً لا بد من وجودها فيه حتى تصح الصلاة، كما استحب له أمور هي من تمام الصلاة، ومن هذه الأمور:
أولاً: يستحب للإمام من حسن الهيئة وجمال الزي أكثر مما يستحب للمأموم؛ لأنه متبع، يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: "وأحب للإمام من حسن الهيئة أكثر وأن يعتم ويرتدي ببرد". [الماوردي، الحاوي الكبير 2/ 454].
ثانيًا: يستحب للإمام والمأموم أن لا يقوما حتى يفرغ المؤذن من الإقامة، فإذا فرغ قاما متصلا بفراغه. [النووي، المجموع 3/ 253].
ثالثًا: يستحب للإمام ألا يكبر حتى يلتفت يميناً وشمالاً، ويقول: سووا صفوفكم، لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة)[1]. قال النووي رحمه الله: "يستحب للإمام أن لا يكبر حتى يسووا الصفوف، ويأمرهم به ملتفتًا يمينًا وشمالًا، وإذا فرغ المؤذن من الإقامة قام الناس فاشتغلوا بتسوية الصفوف". [النووي، روضة الطالبين 1/ 369].
رابعًا: يستحب للإمام أن يجهر بالتكبير حتى يُسمع المأمومين خلفه، ولا يخافت به؛ لكي لا يلتبس الأمر عليهم هل كبر أم لا، ويستحب له أن يجهر بالتكبير ليسمع من خلفه. ويستحب للإمام أن يجهر بقوله: "سمع الله لمن حمده" ليسمع المأمومون ويعلموا انتقاله، كما يجهر بالتكبير ويسر بقوله "ربنا لك الحمد"؛ لأنه يفعله في الاعتدال فأسر به كالتسبيح في الركوع والسجود. [النووي، المجموع 3/ 418].
خامسًا: يستحب للإمام أن يسكت بعد قراءة الفاتحة سكتة يتمكن فيها المأموم من قراءة الفاتحة[2].
سادسًا: يستحب للإمام أن يجهر بالتأمين بعد الانتهاء من الفاتحة في الصلاة الجهرية. [الجويني، نهاية المطلب 2/ 150].
سابعًا: ويستحب للإمام أن يخفف الصلاة؛ بحيث لا يشق على المأمومين مع إتمام أفعالها، قال النووي في [روضة الطالبين 1/ 342]: "يستحب للإمام أن يخفف الصلاة من غير ترك الأبعاض والهيئات، فإن رضي القوم بالتطويل وكانوا منحصرين لا يدخل فيهم غيرهم فلا بأس بالتطويل". و" يستحب للإمام أن تكون قراءته في الركعة الأولى من كل صلاة أطول من قراءته في الثانية، ويستحب ذلك في الفجر أكثر". [المستظهري، حلية العلماء 2/ 94].
ثامنًا: يستحب للإمام أن يتأنى في قراءة الأذكار من غير تطويل شاق؛ حتى يتمكن المأمومون خلفه من الإتيان بالأذكار المشروعة لهم. لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صلى أحدكم للناس، فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء) [البخاري، صحيح البخاري 1/ 142].
تاسعاً: "يستحب للإمام أن ينوي بالتسليمة الأولى السلام على من على يمينه من الملائكة ومسلمي الجن والإنس، وبالثانية على من على يساره منهم، وينوي المأموم مثل ذلك". [النووي: المجموع 3/ 478].
عاشراً: يستحب للإمام إذا سلم أن يقوم من مصلاه عقب سلامه إذا لم يكن خلفه نساء لئلا يشك هو أو من خلفه هل سلم أم لا، ولئلا يدخل غريب فيظنه بعد في الصلاة فيقتدي به، أما إذا كان خلفه نساء فيستحب أن يلبث بعد سلامه ويثبت الرجال قدراً يسيراً يذكرون الله تعالى حتى تنصرف النساء بحيث لا يدرك المسارعون في سيرهم من الرجال آخرهن. [النووي، المجموع 3/ 489].
الحادي عشر: يستحب للإمام وغيره إذا فرغ من الصلاة أن يدعو. [العمراني، البيان في مذهب الإمام الشافعي 2/ 248]. ويستحبّ للإمام أن لا يخص نفسه بالدعاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن، فإن فعل فقد دخل، ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف". [الشربيني، مغني المحتاج 1/ 369]، والحديث رواه الترمذي وحسنه. [سنن الترمذي 2/ 189].
الثاني عشر: يستحب للإمام إذا أحس بداخل وهو راكع انتظاره، يقول النووي: "والصحيح استحباب الانتظار مطلقاً بشروط أن يكون المسبوق داخل المسجد حين الانتظار، وألا يفحش طول الانتظار، وأن يقصد به التقرب إلى الله تعالى لا التودد إلى الداخل وتمييزه، وهذا معنى قولهم لا يميز بين داخل وداخل.. والصحيح استحباب الانتظار (بعد التشهد الأخير) بالشروط السابقة؛ لأنه يحصل به إدراك الجماعة كما يحصل بالركوع إدراك الركعة". [النووي، المجموع 4/ 230].
الثالث عشر: يستحب للإمام أن ينتقل عن موضعه إذا أراد أن يصلي النافلة؛ لتكثر مواضع السجود فإنها تشهد له. [الشربيني، مغني المحتاج 1/ 394].
الرابع عشر: يستحب للإمام إذا لم يقدر أن يصلي قائماً لمرضه وعجزه أن يستخلف عليهم من يصلي بهم قائما. [الماوردي، الحاوي الكبير 2/ 306].
الخامس عشر: يستحب للإمام تأخير سجدة التلاوة في الصلاة السرية إلى الفراغ منها لئلا يشوش على المأمومين، ومحله إن قصر الفصل. [الرملي، نهاية المحتاج 2/ 100].
السادس عشر: يستحب للإمام والعالم إذا تأخر عن أصحابه أو جرى منه ما يظن أنه يشق عليهم أن يعتذر إليهم، ويقول: لكم في هذا مصلحة من جهة كذا أو كان لي عذر أو نحو هذا. [النووي، شرح مسلم 5/ 139].
السابع عشر: يستحب للإمام أن يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى سورة الجمعة وفي الثانية إذا جاءك المنافقون، قال الشافعي رحمه الله: "ولو نسي الجمعة في الأولى جمع بينها وبين سورة المنافقين في الثانية، وقال في القديم: يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية سورة الغاشية". [الغزالي، الوسيط في المذهب 2/ 293].
وفي الختام: نسأل الله تعالى التوفيق لما يحبه ويرضاه من صالح القول والعمل في طاعته، وأن نكون من المقبولين عنده سبحانه.
[1] رواه البخاري، صحيح البخاري، ج1 ص145، برقم 723. ومسلم: صحيح مسلم، ج1 ص324، برقم 433.
[2] جاء في حاشية البجيرمي على الخطيب (2/ 65): "والسكتات المطلوبة في الصلاة ستة: بين التحرم ودعاء الافتتاح، وبينه وبين التعوذ، وبينه وبين البسملة، وبين آخر الفاتحة وآمين وبين آمين والسورة إن قرأها، وبين آخرها وتكبيرة الركوع فإن لم يقرأ سورة فبين آمين والركوع".