أحكام المسابقة في الفقه الإسلامي
المسابقة:
مِنْ السَّبْقِ بِالسُّكُونِ مَصْدَرُ سَبَقَ أَيْ تَقَدَّمَ، وَبِالتَّحْرِيكِ الْمَالُ الْمَوْضُوعُ بَيْنَ أَهْلِ السِّبَاقِ، فَالْمُسابقةُ تَعمُّ الْمُناضَلَةَ، قَال الْأَزْهَرِيُّ: النِّضَالُ فِي الرَّمْيِ وَالرِّهَانُ فِي الْخَيْلِ وَالسِّبَاقُ فِيهِمَا، قال الله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17]، قِيلَ مَعْنَاهُ: نَنْتَضِلُ بِالسِّهَامِ، فَعَلَى هَذَا: التَّرْجَمَةُ بِالْمُسَابِقَةِ كَافٍ لِشُمُولِ الْأَمْرَيْنِ.
إذن فيمكن القول بأن المسابقة تكون بين طرفين؛ فقد تكون مقابل عوض مالي يبذل للطرف الفائز، سواء من المتسابق الآخر أو من طرف آخر غير المتسابقين، وقد تكون بغير عوض.
حُكْم الْمُسَابَقَةُ:
الأصل في الشرع جواز المسابقة في كل لعب مباح لم يرد دليل في الشرع بالنهي عنه، أما ما ورد دليل بالنهي عنه أو كان فيه أذى أو سفهاً فهو إما أن يكون حراماً كالنرد والتحريش بين البهائم، واللكام لما فيه من الضرر؛ لأن كل واحد من الطرفين يحرص على إصابة صاحبه. أو مكروهاً كاللعب بالحمام، وكذا كل ما كان سفها، ولا يليق بأصحاب المروءات فلا يجوز السباق بها سواء بعوض أو بغير عوض.
أما ما تجوز به المسابقة فهو على نوعين: إما أن يكون بعوض أو بغير عوض:
النوع الأول: المسابقة بعوض: وهو بذل العوض لمن يفوز بالسباق.
الحكم الشرعي للمسابقة بعوض: لا خلاف بين الفقهاء في أصل جواز المسابقة بعوض في كل لعب بآلة الحرب يرغب في الجهاد وينفع في أمور القتال، لما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عيه وسلم قال: (لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي.
والمسابقة بعوض تكون على ثلاثة أوجه:
1- أن يخرج أحد المتسابقين جعلاً، ولا يخرج من سواه شيئاً، فهذا جائز بالاتفاق.
2- أن يخرج طرفٌ آخر غير المتسابقين جعلاً، وهذا جائز بالاتفاق.
3- أن يخرج كل من المتسابقين جعلاً فأيهما سبق أحرز جعله وجعل صاحبه، فهذا حرام باتفاق الجمهور، وأجابوا عن الاستدلال بحديث: (لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر) أي أن يكون العوض من غير المتسابقين، أما إذا كان من المتسابقين فهو من الرهان المحرم ويدخل في باب القمار، واستثنى الحنفية الرهان مع الحربي فقالوا بجوازه، واستدلوا برهان النبي صلى الله عليه وسلم مع ركانة، ورهان أبي بكر مع مشركين، وأجاب الجمهور على ذلك بالنسخ كما بيناه.
4- أن يدخل بين المتسابقين ثالث، فإن سبقهما أحرز جعليهما، وإن سبقاه فلا شيء عليه، وإن سبق أحدهما أخذ سبق صاحبه ولم يأخذ من الثالث شيئا، ويسمى الثالث محلل، ويشترط أن يكون مكافئاً لهما سواء في الفرس أو البعير أو الرمي، وهذا قول الجمهور الشافعية والحنفية وبه قال سعيد بن المسيب والزهري والأوزاعي وإسحاق. واستدلوا بما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار) رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وابن أبي شيبة والدار قطني والبيهقي والحاكم، وقال الذهبي صحيح الإسناد.
النوع الثاني: المسابقة بغير عوض: وهو عدم بذل عوض في السباق، لا من طرفي السباق، ولا من طرف آخر.
الحكم الشرعي للمسابقة بغير عوض: تستحب المسابقة بغير عوض في كل ما كان فيه مصلحة للدين، كالسباق بآلة الحرب التي تنفع في أمور القتال، والسباق في العلم. أما ما كان ليس فيه غرض الجهاد أو مصلحة الدين فتجوز به المسابقة، وهو في كل لعب مباح لم يرد دليل في الشرع بالنهي عنه، كالمسابقة على كرة صولجان، أو رمي البندق أو السباحة في الماء أو وقوف على رجل أو المسابقة على الأقدام أو بالسفن والزوارق، وغيرها فتصح المسابقة عليها بغير عوض.
تمت بحمد الله تعالى