مقالات

أثر كورونا على الروابط الأسرية

الكاتب : المفتي الدكتور أحمد الحراسيس

أضيف بتاريخ : 07-03-2021

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي دائرة الإفتاء العام


أثر جائحة كورونا على الروابط الأسرية

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،

قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

إن الناظر في الواقع المجتمعي ضمن التأطير الزماني والمكاني في خضم هذه الجائحة العالمية في الأردن يمكنه ملاحظة اتجاهين:

الأول: الاتجاه الإيجابي وصناعة المنحة من رحم المحنة، وتغييرات إيجابية في الأنماط السلوكية الظاهرة الواضحة، سواء في العمق المجتمعي ككل أو في الإطار الأسري الخاص، ولا بد لعلماء الاجتماع والمتخصصين في العلاقات الاجتماعية والأسرية مراعاة هذه التغييرات، والعمل على إدارة التغيير وتعميق الايجابيات والبناء عليها. 

ولذلك نماذج وأمثلة عديدة، ومنها الابتعاد عن الاستهلاك المظهري أو التفاخري، وأهمية الاستثمار بحزمة الأنماط الإيجابية الجديدة في نظام الأسرة والبناء عليها مستقبلاً، سيما وأن الجائحة أعطت فرصة أكبر للتكامل والتضامن والتكاتف داخل الأسرة، فالنظام الأسري والتكامل بين أفراد الأسرة يجب العمل عليه مستقبلاً، بحيث نركز على التكامل والود أكثر من الحقوق والواجبات، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].

كما تغيرت العديد من المظهرية المفرطة سواء في الأفراح أو الأتراح، وإنهاء البذخ والتفاخر وإثقال كاهل الأسر بقضايا أمن المجتمع.

ومن هنا كان الجهد المجتمعي من خلال المجتمع ككل سواء الحكومية أو التطوعية للتأكيد على هذه الإيجابيات من خلال الإعلام والمنابر الثقافية وخطب الجمعة والفتاوى الصادرة عن دائرة الإفتاء العام من التوجيهات الربانية والآثار النبوية الصادرة في هذا العنوان، حيث صدرت العديد من خطب الجمعة قبل فترة الحظر الشامل حول هذا المرض، وتم التركيز على النظرة المقاصدية من حفظ النفس وأهمية الوقاية، ثم كانت الفتوى في موضوع سقوط الجمعة والجماعة في تلك الفترة اجتهاداً جديداً ضمن المصلحة واعتبار مقصد حفظ النفس البشرية، كما كانت العديد من الفتاوى في مجال العبادات بعد انتهاء الحظر وذلك كالتباعد الاجتماعي والتباعد بين المصلين ولبس الكمامة وتعليمات حضور الجمعة والجماعة وقرار تغسيل المتوفى بالكورونا وكيفية دفنه، والعديد من الفتاوى والتوجيهات الشرعية التي كان لها الأثر البالغ في التوعية وبث القناعة المجتمعية بالتعليمات الصادرة حول الأزمة ضمن أطر التشريع والاجتهاد المقاصدي.

الاتجاه الثاني ويمكن تسميته بالأثر السلبي لهذه الجائحة وعلى رأس ذلك كله الحالة المادية للعديد من الأسر المعتمدة على الدخل اليومي، والذي أدى إلى وجود مشاكل أسرية وحالات طلاق، كان سببها العِوَز والفقر وعدم القدرة على تلبية حاجات الأسرة الأساسية.

وأشير هنا إلى ضرورة دراسة استطلاع الرأي الذي نشره مركز الدراسات الاستراتيجية /الجامعة الأردنية حول "كورونا والعنف الأسري" وأظهر نتائج ومؤشرات تحتاج لدراسة معمقة، وهذه النتائج منها الايجابية التي يجب البناء عليها والاستمرارية في التركيز عليها وتشجيعها، ومن ذلك ظهور رفض مجتمعي أن من حق الزوج ممارسة العنف ضد الزوجة، حيث بلغت النسبة 99%، وأن 85% تعرفوا على نسبة أعباء الزوجة المنزلية، وان 66% حاولوا إيجاد حلول لمشاكل الأبناء، وأن نسبة التواصل بين الآباء والأبناء وصلت 80%، والعديد من القضايا الإيجابية الأخرى الظاهرة في الاستبيان.

والخلاصة إن هذه الجائحة قد ظهر من خلالها العديد من الإيجابيات المجتمعية، والعديد من السلبيات، فالواجب على أهل الاختصاص التعمق في دراسة هذه الحالة والبناء على الإيجابيات ضمن إدارة التغيير المجتمعي، والحد من السلبيات من خلال التوعية.

ختاما أسال الله العلي القدر أن يحفظ الأردن وأهله وأن يرفع الوباء والبلاء. والحمد لله رب العالمين

رقم المقال [ السابق | التالي ]

اقرأ للكاتب



اقرأ أيضا

قرارات مجلس الافتاء

   قرار رقم: (293) حكم من علم بإصابته بالكورونا ثم نقل العدوى

   قرار رقم: (284) حول صيام رمضان للمصاب بفيروس كورونا

الفتاوى

   فحص كورونا لا يبطل الصوم

   حكم الامتناع عن العلاج وأخذ اللقاح

   حكم تزوير شهادة الحصول على مطعوم كورونا

   شروط الاستنابة في الحج

   حكم القنوت في الصلوات في ظل انتشار الوباء


التعليقات



تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا


Captcha